في رحاب الحياة الاجتماعية، كثيرًا ما نجد أنفسنا نتصارع مع فكرة الضحية. نرى من يكون ضحية المجتمع، وضحية الظروف، وأحيانًا ضحية النفس. لكن، هل فكرت يومًا أن تكون ضحية في مجتمع ما يعني أنك في واقع الأمر ضحية لنفسك؟ هذه المقولة تحمل في طياتها عمقًا فلسفيًا يستحق التأمل.

المجتمع ليس مجرد إطار خارجي نعيش فيه، بل هو مرآة تعكس قوتنا وضعفنا الداخلي. حين نكون ضحايا، ليس دائمًا السبب خارجنا فقط، بل أحيانًا السبب أعمق فينا، في طريقة تفكيرنا، في ضعف إرادتنا، أو في استسلامنا أمام الصعاب. القوة التي تمكننا من السيطرة على مصيرنا لا تأتي فقط من المعرفة التي نحصل عليها، بل من القدرة على فرض الذات والتمسك بالكرامة في وجه التحديات.

هذه الحقيقة تتجلى في تناقضات اجتماعية كثيرة. فالمتعلم قد يضع على الجاهل مهامًا صعبة لا يستطيع تحملها، وهذا يعكس كيف أن العلم وحده لا يكفي دون حكمة وقوة في التنفيذ. وفي نفس الوقت، قد نجد متعلمًا قد أكمل دراسته لكنه يعمل تحت إمرة الجاهل الذي يمتلك القوة الاجتماعية أو الاقتصادية، مما يؤكد أن القوة أحيانًا تتجاوز العلم.

وهنا تظهر خطورة الجهل عندما يتحول إلى علم زائف يُروج له بين الجهلة، فيصبح سببًا في تغيب الحقيقة وفرض الوهم كواقع مقبول. هذا النوع من الجهل أكثر ضررًا لأنه يستغل ضعف المجتمع وينشر الفوضى الفكرية.

كما تظهر التناقضات في العلاقات بين المجموعات المختلفة، مثل حالة التمييز العنصري حيث نجد أن "أسود ضحية أبيض، وأبيض ضحية أسود". هذه العبارة تحمل في طياتها واقعًا مؤلمًا عن دورة من الظلم والتأثر المتبادل بين الطرفين، ما يبين أن الألم والاضطهاد قد لا يكون حكرًا على جهة واحدة فقط. وفي كثير من الأحيان، يغذي هذا التبادل من الضحايا مناخًا من الكراهية والتفرقة التي تعيق التقدم والانسجام الاجتماعي.

أما عن التنمر، فهو ليس انعكاسًا لحقيقة فيك، بل انعكاس لقبول الآخرين لفكرة زائفة عنك. الجمال نسبي، والطول أو القصر، اللون أو الشكل، كلها اعتبارات غير منطقية حين تُستخدم كذريعة للتنمر، لأنها لا تحمل معيارًا موضوعيًا. من هنا نفهم أن التنمر لا يقوم على منطق، بل على ضعف في العلاقة بين طرفين: طرف يبحث عن تفوق زائف، وآخر قد يكون مستعدًا للقبول بالخضوع.

التنمر، إذًا، لا يُمارس بسبب حقيقة فيك، بل بسبب قبولك بأن تُعرَّف بهذه "الحقيقة" الظاهرة. فحين ترفض هذا التعريف، وتؤمن بقيمتك، وتفرض احترامك، تخرج من دائرة التنمر وتكسر الحلقة الضعيفة التي تُغذّيه.

لهذا، لا تكن ضحية في حلقة من الوهم، كن وعيًا يمشي في وسطهم. كن قويًا، لا بالصوت العالي ولا بالعضلات، بل بثباتك على قناعتك بأنك لست ما يصفك به الآخرون.

وفي النهاية، التحرر يبدأ من داخل النفس. حين نؤمن بقوتنا وقدرتنا على التغيير، نكسر قيود الضحية التي قد تفرضها علينا الظروف أو حتى أفكارنا السلبية. وبهذا الفهم، نرتقي بأنفسنا ونصبح قادة في مجتمعاتنا، لا مجرد تابعين أو ضحايا.