الشيفرة الخفية للنجاح!! هل نفهم الواقع أم أننا نعيش في الوهم؟

فهم الواقع ليس امتياز يولد به البعض ولكن يمكن اكتسابه، ولكنها ليست صفة نكتسبها فتكون موجودة أم لا، بل هي رحلة نعيشها طوال حياتنا لنتعلم ونحتك مع المواقف المختلفة والشخصيات المختلفة، لنتعلم ونراجع أنفسنا ونراجع أخطائنا ونتعلم منها، وهذا يتطلب مواجهة مستمرة مع ذواتنا ومع الحياة بشكل مستمر، لذا الشخص الذي يعيش في الوهم كما وصفته، مشكلته أن لديه انغلاق ذهني فهو يتعامل مع معتقداته وأرائه كحقيقة مطلقة لا يتقبل تعديلها، وأحيانا طريقة للدفاع عن أنفسهم خشية أن يكتشفوا أنهم كانوا مخطئين لذا أول نقطة ليبدأوا بفك الشيفرة هو القدرة على النظر إلى نفسه وإلى الواقع وتقبل أنه قد يكون مخطىء أو لديه سوء فهم، ومن ثم يبدأ بالاحتكاك بالناس والمواقف بهدف الاستماع والتعلم وليس الصدام، وتدريجيا ستتكون لديه المرونة المعرفية ليتمكن منها من فهم الحقيقة والواقع بشكل أفضل

يتفاوت فهم الواقع بين الأفراد سواء بالفطرة أو الاكتساب، دعنا نوضح نقطة هامة:

أن الواقع نفسه ينقسم لأجزاء كثيرة، والذي يبرع في فهم جانب من الواقع ليس بالضرورة بارع في فهم أجزاء أخرى: من الممكن أن نجد شخص بارع بالأعمال ويحقق الملايين لكن لا يعرف كيف يسعد أطفاله أو يحقق علاقة عاطفية معهم.

البعض بارع عندما يتعلق الأمر بالقوانين فيعرف كيف يدبر الأمور في أي مشكلة تواجهه، لكن لا يعرف كيف يدير فريق أو يحقق السلام داخل بيئة العمل.

البعض بارع بتحقيق علاقة عاطفية دائمة ومستقرة لكن لا يعرف كيف يحقق المال.

ربما يولد البعض بقدرات فطرية ممتازة في بعض الجوانب، لكن من الممكن تقوية المهارات واكتسابها عن طريق التعلم والتجربة.

حتى الأشخاص التي خاضت التجارب لا يمكن أن نقول بانها فهمت الواقع جيدًا، فهم الواقع يحتاج إلى رؤية أوسع مما نظن، واعتقد بأن هذه الملكة قد لا تكون متواجدة لدى الكل، لا مشكلة في ذلك، المهم ألا نبتعد عن فهمها بعيدًا، يكفي أن يكون الشخص قريبا منها ، كي لا يرتكب المزيد من الأخطاء، والتركيز على الاختيارات الافضل والقدرة على تحليل ما حوله والتكيف مع التحديات التي يواجهها والقدرة على حلها. ففهم الواقع يعني اننا قد أدركنا حقيقة الحياة تماما.

لذا أرى بأن فهم الواقع تحتاج منا إلى أن نجعل ما حولنا غامض، ومن ثم ننظر إليه أو ملاحظته بطريقة مختلفة، كما يتوجب علينا أن نضع الفهم الحقيقي للواقع هدف يجب تحقيقه. يمكن حتى للاشخاص التي عاشت في الوهم أن تجربه وستنجح في فهمه ولو كان قليلا.

برأي فهم الواقع ليس امتيازًا يولد به البعض فقط، بل هو مهارة يمكن اكتسابها، وإن كان بدرجات متفاوتة. البعض يتلقاه بالتربية والتنشئة، والبعض يكتسبه عبر التجربة والخطأ، لكن في النهاية، هو ليس سرًا محتكرًا لفئة دون أخرى.

بالنسبة لمن عاشوا في الوهم، فإن فك شفرة الحقيقة يبدأ بالاعتراف بإمكانية الخطأ، أي أن يتقبلوا أن تصوراتهم قد لا تكون صحيحة بالكامل. هذا الاعتراف هو الخطوة الأصعب، لأن العقل يميل إلى الدفاع عن قناعاته بدلًا من التشكيك فيها.

برأي أيضا من المهم أن يتعلم الشخص كيف ينظر إلى الواقع من زوايا مختلفة، لا من زاويته الشخصية فقط. يمكنه البدء بطرح أسئلة أساسية مثل: لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة؟ ما الذي يدفعهم لاتخاذ قرارات معينة؟ ماذا يمكن أن أكون قد أغفلت؟

أيضًا، الاحتكاك بأشخاص مختلفين في الفكر والتجربة يساعد كثيرًا. من عاش في بيئة مغلقة فكريًا سيجد نفسه محصورًا في نمط معين، لكن الانفتاح على وجهات نظر جديدة، حتى لو كانت صادمة في البداية، يفتح له الأفق لفهم كيف تسير الأمور حقًا.

أعتقد أن فهم الواقع فطرة، تماما كما يفعل الأطفال عندما يتعلمون الكلام ويتفاعلون مع محيطهم دون أن يشرح لهم أحد القواعد أو الأسس، فهم فقط يلتقطون الأمور بطريقتهم.

مثال على هذه الشيفرة هو طريقة تعامل الأشخاص مع المال وإدارته.تجد بعض الناس، منذ صغرهم، يعرفون كيف يديرون أموالهم بحكمة، لا ينفقون إلا عند الحاجة، ويبحثون عن أفضل الفرص للاستثمار، دون أن يكونوا قد درسوا الاقتصاد أو الإدارة المالية. وكأنهم تلقوا شيفرة في تربيتهم جعلتهم يتصرفون بهذه الطريقة دون وعي كامل بأسبابها.

و هناك من تعلموا قيمة المال بعد أن واجهوا أزمات مالية أو تراكمت عليهم الديون، فاضطروا لاكتساب هذه المهارة بالطريقة الصعبة. أما الفئة الثالثة، فهي من تعيش بلا تخطيط مالي، تنفق دون حساب معتقدة أن الأمور ستسير كما هي، حتى تأتي الصدمة التي تجعلهم يكتشفون أنهم لم يكونوا يفهمون اللعبة أصلًا.

فهم الواقع مهم ويساعد الإنسان في حياته وفي قرارته، لكن الحياة أعمق مما نتصور وهي أقدار وحياة ناس مختلفة والاختلاف سنة الله في كونه، فاختلاف تجارب الناس يرجع لاختلاف حياتهم وظروفهم في أغلب الأحيان، لهذا علينا أن لا نلوم أنفسنا على ما مضى ونحاول أن نستفيد قدر الإمكان من الحاضر والمستقبل المهم أن يكون هناك وعي حتى وإن جاء متأخرا لا يهم ولا داعي لجلد الذات ما دام هناك نية التعلم وتطوير الذات

الحكمة رزق من الله، لكن الإنسان يتزود من حكمته بالعلم والقراءة والتجارب الإنسانية السلبية والإيجابية، والتعلم من الأخطاء، فالخطأ جزء من ادراك الحكمة ولا بأس فيه

المسألة كلها هنا برأيي تبدأ عند الإدراك وأيضاً تنتهي عنده، من يعيش في عالم منفصل أو يتوهم المعرفة والخبرة مشكلته تكمن في الإدراك، وكذلك من ينجح ويفهم صوابية الأمور فما فعل ذلك إلا من خلال الإدراك.

أن نفهم جيداً ما نحتاجه ونعرف كيف نحققه هنا يمكن أن نشكل الفارق وننجح ونتخطى العقبات في حياتنا، أما من يفقد المعرفة و الرغبة فلن ينجح إلا بشق الأنفس