"المبدع إنسان مزاجي، متفرّد، كائن غير مستقر، مسكون بالعمل الذي يقوم به، وفي الحالات القصوى قريب من الجنون."

هكذا وصف الباحث والمعالج النفسي فيليب برينو حالة الإنسان المبدع، ضمن كتابه المميز "العبقرية والجنون"، الذي حاول خلاله دراسة العلاقة المباشرة ما بين الإبداع العقلي، والاضطرابات النفسية.

إلا أن دراسة العلاقة ما بين العبقرية أو الإبداع والجنون مطروحة منذ مئات السنين، ويمكن رصد بوادرها بالنص الأرسطي"رجل العبقرية والكآبة"، والمقصود بتلك الكآبة ذلك الحزن الحالم المتعلق بصورة الفنان. حيث لاحظ أرسطو وجود رابطة ما توحد بين الإبداع وتقلبات المزاج.

كذلك أكدت بعض الدراسات اللاحقة على وجود قابلية لدى المبدع -أكثر ممن سواه- للإصابة بالاضطرابات النفسية، نتيجة ما يتصف به من رهافة حس وعاطفة وقدرة هائلة على التفاعل والانفعال؛ تجعله غير قادر أحياناً على تحمل بعض صعوبات الحياة وصدماتها الكبرى.

هذه الدراسات كانت كفيلة بإحداث ثورة عارمة من التساؤلات -الإستنكارية- داخل عقلي؛ فلم يروقني كثيرا الإقتناع بوجود علاقة سببية مباشرة ما بين الإبداع الفكري، وظهور الإضطرابات العقلية.

لكن الشك بدأ يتسرب إلي عندما اطلعت على قائمة المفكرين الذين عانوا من الإضطرابات النفسية، ومن أبرزهم ( بيكاسو، بيتهوفن، فان جوخ، تشارلز ديكنز، بلزاك، أبو حيان التوحيدي، نيوتن، جون ناش، فيكتور هوجو، تولستوي، تشيخوف، دوستويفسكي، همنجواي، جيه كي رولينج، شوبنهاور، نيتشه، ميشيل فوكو، ...) وغيرهم الكثيرين. وتباينت حدة الإضطرابات النفسية لديهم، من الإكتئاب حتى الإنتحار!!

لا أخفيكم سرا، منذ أن اطلعت على هذه الحقائق وأصبحت أستخدم عقلي مثلما أستخدم الأجهزة الإلكترونية؛ لا أُحَمِّله أكثر من طاقته وسعته، حتى لا يصاب بعطل ما !!

وتكوَّنَ لدي إعتقاد بأن العقل كبقية أعضاء الجسم، له قدرة تحمل محددة، إذا ما تم تجاوزها قد يحدث خلل ما بوظائفه.

ولتجنب ذلك قررت أن أعمل بنصيحة شكسبير، - التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الجنون، لذا تغافل مره وتغابى مرتان- التي أظنه لم يعمل بها؛ فقد أصابه ما أصاب أقرانه السابق ذكرهم!!

ختاما هل تعتقدون بوجود هذا الرابط بين الإبداع أو العبقرية والإضطرابات النفسية؟

وبرأيكم هل يمكن أن يكون للعقل فترة صلاحية، تزيد أو تقل حسب طريقة إستخدامه؟!