الصور التي ننشرها لأنفسنا على منصّات التواصل تُثير غرابتي دائمًا، فعندما أرى شخصًا ينشر لنفسه عشرات الصور على صفحته أشعر بالترفّع والتعالي، وأحمد الله أن لم يجعني مثله، ثمَّ يأتي اليوم الذي ألتقط لنفسي صورة بهيّة، وأراني أمرُّ بجميع تطبيقات الفلاتر لإضافة التوازن المناسب بين الإضاءات!

لا أحبُّ رؤية نفسي في الصور، ولستُ بذي خلق إن تأمّلتَ جأنب (بهمزة على الألف، أي القصير الدميم) لكنِّي أتحسّر على هذا الوجه الهادئ البهيّ في المرآة، لماذا لا يكون نفسه على كاميرا الأيفون الأمامية!

أعتقد أنّ هذه مشكلة تواجه أفراد الجيل القديم، وإنّي أعدُّ نفسي منهم إذ لم أتعرّف على الانترنت إلّا بعد أن أصبح عمري 14 سنة، فنحن ألفنا منظرنا على المرآة، صباحًا ومساءً، والشكل المنعكس عن المرآة يختلف عن الكاميرات الأمامية، ليس فقط أنّ الصور مقلوبة، لكنّ الكاميرات الأمامية لها ميزة مختلفة، وهي أنّ لعدساتها زوايا عريضة.

بخصوص الزوايا العريضة أو الواسعة للعدسات الأمامية للكاميرات، فهي تجعل ملامحنا تبدو أعرض، وأكثر غلاظة، ولم أكن جيدًا في فيزياء هذه الأمور في المدرسة، فأنقلُ لكم هذه العبارة من موقع تصوير

العدسة البؤرية للعدسة البؤرية واسعة الزاوية هي أقصر من عدسات الزاوية غير الواسعة ، وهذا يتيح للمصور التقاط أكثر من مشهد داخل صورته.

ألا ترى اننا اكثر بدانة في التصوير عن الحقيقة؟ إنما هذا بسبب هذه العدسات واسعة الزوايا، إذا رأيت ممثلًا في الواقع، ستُفاجئ بأنّه أضعف مما يبدو عليه في التلفاز، وإذا رأيتَ ممثلة نحيفة في التلفاز، فستراها واقعًا مُصابة بسوء التغذية الحاد.

هذه العدسات وإن كانت سيئة للوجوه، لكنّها مفيدة للأمكنة والمساحات، فهي ما تجعل أستوديوهات البرامج التلفزيونية تبدو كما لو أنّها أوسع، ولو زرتها لشعرتَ بضيق القبور!

الجيل الجديد لم يعد يشعر بهذه الغرابة مع صورته في الكاميرا الأمامية، فلو نشأتُ أنا القديم اعدِّل من منظري لبعض دقائق على المرآة، فهذا الشاب اليافع يلتقط لنفسه مئة صورة لينشر منها ثلاثة فقط على صفحته في مواقع التواصل، حتمًا لقد قضى وقتًا أكثر منِّي، وألِفَ ملامحه الغليظة!

أتململ أحيانًا وأسال الذي ألتقط له الصورة التاسعة والتسعين: لماذا مئة يا صاح، ألا تكفيك واحدة؟ سأدلّك على برامج لتعديل الاضاءة وأعتقني!

الأمر أعمق من أختيار صورة مناسبة فقط، فنحن أصبحنا نعامل أنفسنا كالممثلين، ونزن قيمتنا بصورنا، لأنّ معظم من نعرفهم، لا يصادف أن نلتقي بهم إلّا لدقائق معدودات في الواقع، لكنّنا نصادفهم كثيرًا في مواقع التواصل، بعبارة أخرى، وجودنا المعنوي في الصور أصبح اكثر أهميّة وقيمة من وجودنا الجسدي الحقيقي!