عندما كنت أقل نضجا من الآن، كنت أعتقد أن من الجيد ومن علامات القوة أن أصمت عندما يؤذيني أحد ما، كأني كنت أراها عبارة عن مستوى عال من الكبرياء الذي يجنبني إظهار ضعفي أمام الآخرين، بل وحتى إظهار مشاعري العميقة الإيجابية منها... لا أعلم إن كان هذا عاديا بالنسبة لكم لكنه كان ولايزال مزعجا بالنسبة لي، عانيت كثيرا من هذه الناحية ومازلت أعاني، ليس لأني لا أستطيع الدفاع عن نفسي أو أني ضعيفة شخصية، لكني كنت أحس أن التعبير عن الأذى نوع من الضعف الذي لا يجب إظهاره، وظللت مدة طويلة أتخبط في ألم جراء كل ما يؤذيني في صمت خاصة أني إنسانة حساسة جدا ولا يظهر علي ذلك إطلاقا، بل ترى مني طبعا صلبا وقويا ولا أبكي كثيرا ولا أشتكي مما يؤذيني حقيقة. أتحمل الكثير إلى أن أتعب بشدة ثم أنسحب فجأة... 

بدأت أنضج وأتطرق لأشياء وتجارب كثيرة، وبدأت أقرأ عن الذكاء العاطفي والنضج العاطفي ثم تدريجيا وصل بي الأمر لأني بحاجة لتطوير مهارات التواصل أكثر وتغيير بعض المفاهيم عن التعبير! 

لم يخطر مرة في ذهني أن أحاول معرفة المزيد عنه، لكنني بدأت تدريجيا أفهم أن التعبير عن ما أشعر به نوع من القوة والتواصل المفيد والضروري لأن الآخرين ليسوا مظطرين وليسوا مسؤولين عن فهم ما يحدث داخلي إذا لم أوصل لهم الرسالة، وغالبا تكون رسائلي التي أوصلها توحي بالقوة رغم أني أكون أتألم. وذلك حقا صعب ومؤلم بالنسبة لي خاصة أمام من يؤذيني، أريد أن أتعلم قول ما أشعر به بدون أن أبالي بما يظنه الآخرون عني... ظللت طويلا أظن أني حقا أفعل ذلك لكني في الحقيقة كنت أتهرب من هذه النقطة بالذات ربما لخوف ما بداخلي أو لنقص ثقة بالنفس ربما!

وقعت البارحة على مقولة في التواصل تقول أن" الشيئ الأهم في التواصل هو الإستماع إلى ما لا يقال" 

أعترف أنه يسهل علي الإستماع إلى ما لا يقال، وأحاول دائما أن أركز على ما يعنيه الآخرون لكن لا يبوحون به، وغالبا يكون حدسي في هذا الخصوص في محله، هنا يظهر لي أن القول صحيح.

لكن عندما أتذكر التجارب السيئة التي حصلت لي جراء أناس لا يستمعون لما لا أقول أشعر أن القول خاطئ و أنه يجب علي أن أوضح أكثر عن نفسي ليفهمني الآخرون... 

سؤلي هو: ما مدى صحة هذا القول؟ هل حقا يمكننا الاستماع إلى ما لا يقال أم أننا يجب أن نوصل المعلومة للآخرين حتى نحصل على رد الفعل الذي نريده؟ 

هل الطبع الصامت الذي لا يعبر كثيرا عما يحدث داخله هو حقا به خلل؟