حرية التعبير موضوع شائك, فالكل يلعب دور المصلح الاجتماعي ويود أن يعبر عن أفكاره التي يعتقد أو يتوهم أنها ستحل مشاكل العالمين من جن وإنس, والتي قد لا يلقى بعضها ترحيبا لدى شريحة واسعة من المجتمع...قد تتحول الكلمات والأفكار بقوة القانون لجريمة تودي بصاحبها لقضاء سنوات شبابه بالسجن أو حتى التهلكة من طرف المجتمع المغوار الغيور على أشيائه.

صادق المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية على وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, ومن بين أهم موادها تلك المتعلقة بحرية التعبير: "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود..."

إلا أنه وفي السطر الموالي من هذه المادة تم إتباعها بالتقييد التالي:

"وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة."

وهكذا صارت المادة بشقها الأول مجرد شعار من الشعارات الخرافية الأفلاطونية غير ذات معنى, فالكل يوظف الشق الثاني حسب مصالحه ورؤاه, وكمثال دولة فرنسا التي ينص قانونها على حرية التعبير مع منع أي كتابة أو حديث علني يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية...

الله وحده يعلم ماهية هذه الكتابات والأحاديث المقصودة بالقانون الافرنجي. إذ يتم توظيف الكراهية العرقية والدينية بالحملات الانتخابية الفرنسية بحق العرقيات الأضعف (المهاجرين عامة والمسلمين خاصة) تحت بنذ حرية التعبير , والزج بالسجن لكل من تعرض للعرقيات الأقوى (اليهود) تحت بنذ معاداة السامية.

إذن فحرية التعبير مصطلح فضفاض يخضع للتأويل والتوظيف البهلواني حسب الأهداف السياسية.

على مستوى الأفراد فالآراء تخضع لسلطة العقل الجمعي, فحتى وإن لم يكن القانون باحدى الدول يجرم التعبير عن فكر محدد فإن ردات الفعل المجتمعية العنيفة والنابذة له, يدفع المشرعين القانونيين للهرولة نحو صياغة نصوص تجرمه حفاظا على السلم المجتمعي بطلب من السياسيين المرجفين.

وكمثال فإنه يتم السماح بالتعبير الفني في حدود عدم الإباحية أو التحريض على الكراهية وارتكاب الجرائم, إلا أن ما يتم تصنيفه إباحيا أو تحريضا يختلف من مجتمع لآخر ومن فرد لآخر داخل نفس المجتمع ومن عام لآخر أيضا, والمعيار للمنع أو السماح هنا هي الثقافة المجتمعية والتي تتبدل على مر السنين فقد تتطور لتتقبل مسائل اليوم كانت غير مقبولة بالماضي, وترفض أخرى كانت بالماضي تعتبر عادية, والمعيار هو المزاج السائد... فكثيرة هي تلك الأعمال التي تحولت بقدرة قادر من منبوذة وممنوعة من طرف المجتمع لعمل خلاب ورائع من طرف نفس هذا المجتمع بعد أن مر عليها الحول.

إذن نحن وعلى هذه المنصة بها عشرات الآلاف نحمل معتقدات وأفكار مختلفة, تسود بعضها لتصير الفكر الأغلبي يحتم علينا عدم الخوض في بعض المواضيع كميثاق فيما بيننا حفاظا على سلمنا, ولكننا نجهل الحدود التي رسمها كل فرد منا لنفسه. إن أردت أن أطرح عليك سؤالا حول هذه الحدود الشخصية, ومدى تقبلك للرأي الآخر, ومدى قدرتك وجرأتك على طرح أفكارك فما هو جوابك؟ ما حدود حرية التعبير بالنسبة لك التي على الآخرين عدم تجاوزها؟ وهل لديك أفكار تود طرحها ولكنك تمتنع خشية ردة فعل القراء؟