علي مَر العصور

سؤال وجيه في حقيقة الأمر، لأن عادات وتقاليد الشعوب لابد أن تتأثر بالتحولات التي يعرفها العالم من عصر إلى آخر.

دعونا نقوم بجرد كرونولوجي لبعض التحولات التي عرفتها البشرية، والتي ساهمت في تغيير عاداتها، بل وسلوكاتها وطريقة عيشها.

بظهور العجلة انتقل الانسان نحو عصر السرعة، وبالتالي كان لهذا الاختراع تأثير كبير على حياته، وطريقة عيشه، فظهرت العربات المدفوعة، والعربات التي تجرها الخيول وغيرها، وكلها من مظاهر الرفاهية.

ومن التحولات التي أثرت في عادات الناس وسلوكاتهم أيضا، ظهور المحرك البخاري؛ حيث القطارات البخارية السريعة والباخرات التي كان لها تأثير كبير على عادات الناس وتقاليدهم.

ثم بعده مباشرة تم اكتشاف البترول، ما ساهم في انتشار السيارات، ثم الطائرات والباخرات والمراكب...وغيرها من وسائل النقل التي حققت للإنسان الرفاه والترف.

وبعد اكتشاف البترول كطاقة تم تحقيق ثورة في المجال، مع ظهور الطاقة الكهربائية ثم الطاقة النووية بعد ذلك.

إلا أن الذي يهمنا أكثر في هذا المقام هو التحول الرقمي الذي عرفه العالم مع ظهور موجات الراديو، ثم التلفاز، واكتشاف الحاسوب، الذي بصم على أكبر ثورة في المجال الرقمي، وهي الثورة التي تعمقت أكثر باكتشاف الإنترنيت في تسعينيات القرن الماضي، ما كان له بالغ الأثر على حياة البشر. خصوصا على مستوى المعرفة؛ والمعرفة هي جوهر العملية كلها.

فبفضل المعرفة وانتشارها أمكننا الحديث عن الثورات الرقمية التي عرفها العالم، الأولى فالثانية ثم الثالثة والرابعة، وصرنا اليوم نتحدث عن الثورة الرقمية الخامسة التي ترتبط بالذكاء الاصطناعي في مستوياته العليا.

وما لذلك من تأثير على عاداتنا، وتقاليدنا، وسلوكاتنا. خصوصا نحن الشعوب المستهلكة التي تستخدم المعرفة ولا تنتجها أو تستثمر فيها.

ولكم أن تلقوا نظرة على الوضع التي صارت عليه الأسرة اليوم. صرنا نفتقد لتلك الجلسات الجماعية على كؤوس الشاي، وتبادل أطراف الحديث مع بعضنا، الكل غارق في مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية الأخرى.

من هذا المنظور صار من حقنا القول:

إن البشر اليوم وقع تحت رحمة الآلة!

ولك أن تعرف بأنه في إطار الثورة الرقمية الخامسة، يخطط العلماء لصناعة روبوتات تحاكي الإنسان في حركاته وتحركاته، وعاداته وتقاليده، بل وفي تفكيره! وهذا أمر خطير جدا. إذ من الممكن ألا نستطيع بعد ذلك التحكم في الآلة التي نصنعها بأيدينا، وقد تتحكم فينا.

يطمح العلماء بعد أقل من ثلاثين سنة إلى صناعة روبوتات تجري للإنسان عمليات جراحية معقدة (عملية القلب مثلا) دون تدخل من الإنسان!!!

وهو ما يؤكد على أنه من الممكن جدا أن نصير يوما ما تحت رحمة الآلة!

الحريّة الفكرية هي سمة هذا العصر، يعني أنّه لا عادات معينة تطغى عليه، كل يغني على ليلاه