ظاهرة اغتصاب الأطفال منتشرة في كل مكان حول العالم، وتختلف نسب تواجد هذه الظاهرة بين مكونات المجتمع من دولة إلى أخرى. لكنها كلها تصبّ في واد واحد وهو التأثير على نفسية الطفل قبل التأثير على جانبه الفزيائي.

عن نفسي سمعتُ كثيرا من حالات اغتصاب الأطفال من أفواه الضحايا أنفسهم وكيف أثر ذلك على نمط حياتهم، وهنا نحن لا نشير إلى الكلام الفارغ الذي يردده الجهلة (الجاهل في العربيّة هو من لا يحيط علما بشيء ما وليس استعمالها هنا بغرض السب) ومفرده أن المغتصبون في صغرهم يصبحون مثليّين في كبرهم، وهو كلام أجوف بامتياز وعفا عليه الزمن، فموضوع المثليّة وأنها ليست بمرض أقفل منذ عقود.

العزلة، الاكتئاب، الخوف من البالغين، المراقبة المكثفة المزعجة من الأقارب...كلها نتائج اغتصاب طفل صغير بريء من أي ذنب، رغم أن الأطفال في العالم العربي يتعرضون للضرب من قبل العائلة إن هم تعرضوا للاغتصاب، ورغم أن الوالدين أو الجلّاد يعرف أن الطفل ضحيّة، إلا أن فكرة اغتصاب طفلهم وحديث الناس عنهم تثير حنقهم ويفقدون كل ذرة عقل "خاصة إن كانت الضحية طفلة صغيرة" فيصبّون كل اللوم على الطفل البريء في حلقة الجهل المغلقة التي تُبقي العربي داخلها إلى حد الساعة.

يمكن أن يحدث اغتصاب الأطفال في كل مكان، وإن كانت نسب الاغتصاب مرتفعة، فإن نسب التحرش الجنسي بهم أعلى بكثير، وهنا يجب التنويه إلى أن التحرش أو اغتصاب الأطفال لا يحدث من قبل الذكور فحسب مثلما قد يتخيل الكثير، فالإناث أيضا يقدمن على اغتصاب الأطفال والتحرش بهم جنسيا.

لكن، أن يحدث الاغتصاب في حرم مؤسسة دينية فإن هذا من المفارقة بما كان.

أولا، تكون المؤسسة الدينية عادة تدعو إلى حماية الأطفال وإلى الفضيلة والعفّة وما إلى ذلك من شعارات رنّانة، تظهر بعد ذلك الإحصائيات أنها لا تعدوا كونها نفخا في الهواء.

في المسيحيّة، تعود المشكلة في أصولها إلى القديس الأمازيغي الجزائري أوغستين، الذي جعل من حياته، حياة خالية من النساء وطالب بهجرهن وعدم مجامعتهن إلا للتكاثر، وقد أثّر موقفه هذا على البابا غريغوري السابع، ففرض العزوبية على الرهبان منذ عام 1074. وتحمّل عواقب ذلك الكثير من الصغار على مر التاريخ، فقد أظهرت تحريات كثيرة أن ما بين 1950 و2002 قام أزيد من 4392 راهبا وقسا بالاعتداء على الأطفال، وأقل من خمسة بالمائة منهم فقط، قاموا بالاعتداء جنسيا على أزيد من 100000 طفل تم الإبلاغ عن حالتهم، وقد كبّد هذا الأبرشيات أموالا طائلة تقوم بدفعها كتعويض مادي عن

الضرر، ففي تسعينيات القرن الماضي، طالبت فتاة تدعى "ريتا" في العشرينيات من العمر بتعويض مالي قدّر ب22 مليون دولار، بعد أن اغتصبها سبعة من قساوسة يعملون في كنسية كاثوليكية بكاليفورنيا عندما انضمت إليهم وهي في سن

السادسة عشرة... وإن كان الضغط الممارس على الرهبان المسيحيّين ذريعة لبعض الناس لتبرير اغتصابهم للأطفال، توجد حالات كثيرة من اغتصاب الأطفال في المساجد والزوايا وأماكن تحفيظ القرآن، ففي 2018، سمع العالم بإمام من المغرب يعتدي جنسيا على 6 أطفال كانوا يحضرون حلقاته لتعليم القرآن، وحالة أخرى في تونس تعود إلى سنة 2019 أين تعرض أطفال في مدرسة قرآنية للاغتصاب من قبل شيخهم في محافظة سي بوزيد، وفي السنغال يقول تقرير لهيومن راتس وتش ومنظمة محلية أخرى أن في ظرف سنة واحدة 2017-2018 تم تسجيل 15 حالة اغتصاب أو تحرش جنسي في المدارس القرآنية، وفي نيجيريا تم انقاذ 300 طفل ممّا يسمى بمدرسة قرآنية كانت تُستعمل لضرب وتعذيب واغتصاب هؤلاء الأطفال.

السؤال هنا هو كالتالي.

ماذا تفعله الأنظمة العربية الفاشية لحماية الطفل أولا من الاغتصاب وخاصة في مثل هذه الأماكن، وثانيا من العائلة ؟.

نعود في الحديث إلى تونس، فبعد أن داهمت الشرطة المدرسة القرآنية في سي بوزيد، قامت السلطات بإجراء "فحص شرجي" على 42 طفلا و27 بالغ للتأكد من اغتصابهم. وهنا يستدعي الأمر التوقف للحظة. إن الدمار الذي يولّده اغتصاب طفل صغير يعدّ هائلا خاصة وإن كان متواصلا، ومن يمشي تحت المطر عليه أن يبتلّ، ومن يخرج ضحية هذه الصدمة أو الصدمات لا بد أن يكون تحت ضغط نفسي هائل بسبب التفكير المتواصل حول سمعته وسمعة عائلته، فقد تمّ تلقينه كل ما لا

يفيده عدا الثقافة الجنسية التي تساعده في مثل هذه الحالات على تجنبّ الأسوء (وقد فصلنا في الأمر في مقالنا الآخر "الطابوهات متى ستكسر في العلن")، فتزيد حالته النفسيّة سوء مع التفكير المتواصل في ردة فعل العائلة والأصدقاء في الحي والمدرسة ونظرتهم المستقبليّة نحوه.

 فوق كل هذا الضغط النفسي، قامت السلطات بإجراء الفحص الأكثر إهانة في التاريخ الحديث والذي يعدّ مهينا في حالة استعماله غصبا وعن غير وجه حق، وقد دعت منظمة هيومن رايتس وتش وأطباء كثيرون في تونس إلى الوقف عن العمل بهذا الفحص والذي يستعمل في اضطهاد المثليين في تونس. إلا أن السلطات وقصرا اخضعتهم حسب متابعين إلى "الفحص الشرجي"، وهذا لا يزيد إلا الطينة بلّة.

القوانين العربية في مكافحة اغتصاب الأطفال جنسيّا لا تخرج عن نطاق سنوات سجن وغرامات في حق المُعتدي. فالدولة لا تتكفل بمتابعة الطفل والحرص على ألا يصبح ضحية لمجتمعه بعدما كان ضحية لشخص ما.

إن الثقافة العربية المكتسبة من الأنظمة المدرسية الرجعية والتراكمات الكثيرة لتعثرات هذه الدول، برمجت عقول الناس على التفكير حول كلام الغير والقريب والبعيد قبل اتخاذ أي خطوة، والخوف المتواصل ممّا يسمونه "فضائح"، كل هذا يجعل من الطفل ضحية العائلة ومحيطه. بحيث يصير الصغير محط لوم من الأب والأم، وإن كان أو كانت جذّابا أو جذّابة من حيث الشكل فيعمدون إلى عزله عن الآخرين إن كان ذكرا، أو تغطيتها بالفلار إن كانت أنثى، وكما قلنا في مقال سابق، فإن هذه الإجراءات التعسفيّة الظالمة تجعل من الغريب المراقب يسأل نفسه بصدق إن كان العربي يفكر بعقله أو بخصيتيه. وقد وصل الأمر بالمسلمين إلى حد اخراج فتاوى تخصّ المردان وتحريم النظر إليهم أو الاختلاء بهم وحتى نفيهم إن كانوا شديدي الوسامة مثلما فعل عمر بن الخطاب بنصر بن الحجاج،( أحيانا تشعر بمخّك يتشنج بحق) وكلها أصبحت مسلّمات أتت من فم رجل يخطئ، وأي رجل، ابن تيميّة الذي أصبح اسمه مقترنا بجميع المنظمات الإرهابية المتشددة، وانتقل اسمه من شيخ الإسلام إلى شيخ الإرهاب.

وتعرض الطفل للاغتصاب في الكنائس أو المساجد من طرف رجال الدين يجب أن يدرس أكثر فالمشكلة ليست أخلاقية بقدر ما هي ثقافية محضة. وإن كانت الثقافة تساعد على تهذيب الأخلاق بنسب كبيرة والتي هي عبارة عن مفاهيم متباينة في عقول الناس، فإن الثقافة العربية تساهم بشكل كبير في تردّي أوضاع الطفل المُغتصب، خاصة في المؤسسات الدينية، أين يجد الطفل تناقضا كبيرا في عقله، فيتم تعلميه من جهة كلام الرب والله، ومن جهة يجد نفسه يُغتصب بوحشية، فيلجأ في خلوته إلى ثقافته الجنسية التي يجب في المقام الأول أن يأتي بها من المدرسة والوالدين، ليجد خانتها فارغة لا معلومة فيها غير شعار رنان كبير "الجنس حرام والتحدث عنه سيّئ"، و الأدهى من ذلك أنه يسمع بهذه الشعارات وهي تأتي من خلفية دينية هي مرتبطة بقوة بمغتصبه. فيتوه أكثر، ويحتضن ركبتيه وهو هائم على وجهه في متاهة الجهل، ينتظر وينتظر، ومع مرور الوقت وبقاء مثل هذه الثقافة المنغلقة التي تحولت إلى أيديولجية يبقى الأطفال ضحيّة للمغتصبين أولا، ثم العائلة والمحيط ثانيا.