الأزمة التي وقعت بين مصر والجزائر سنة 2009 بسبب مشاكل مفتعلة أعطت طابعا خلافيا كبيرا أصبح صداه عالميا. لكن نحن لسنا هنا بصدد الحديث عن المشكلة وأسبابها. ولنركز هنا عمّا حصل بعدما حدث من مشاكل وكيف كانت ردّة فعل بعض المثقفين المصريين الذين أظهروا من القبح ما جعلني لا أعجب بأي مثقف مهما كانت صفته.

الممثلة زينة وفي احدى المهرجانات أين سؤلت عن رأيها فيما حدث، قالت "من هذه الجزائر أصلا، نحن لا نسمع بها، ويجب أن نكرّمهم بالجزمة". ثم وفي احدى الحصص التلفزيونية قالت "يروحو في ستين داهية، نحن نحتقرهم ونكرههم وهم شعب حقير وهم موجودون في فرنسا قوّادين وعاهرات وهم ناس ليسوا محترمين بالمرة بكبيرهم بصغيرهم بعجائزهم بأطفالهم".

وقد تراجعت عن كلامها في حصة تلفزونية أخرى لكنها لم تعتذر.

المطرب حكيم الذي قال على الهواء في احدى البرامج التفزيونية من خلال مكالمة هاتفية "...بلد المليون لقيط".

ومحمد رمضان الذي قال "الجزائر دولة أقل من نحن كمصريين نتحدث عنها...". ثم اعتذر بعد سنوات.

واللائحة طويلة...وتضّم رهام سعيد وعمرو أديب وآخرون بلغ عددهم عشرين اعلاميّا ومثقفّا...

لكن ما حزّ في قلبي للأسف، هو الكاتب يوسف زيدان الذي جعلني مقاله "ذكريات جزائريّة" وقتها في جريدة المصري اليوم أبكي بحق. فقد كنّا من أكثر المعجبين بالكاتب، ليس فقط من خلال كتاباته، بل شخصيته وأفكاره وتنوّره فيما يخصّ الصوفيّة وكنّا نتابع كثيرا من حصصه التلفزيونيّة ومن المعجبين بروايته "عزازيل".

قال في مقاله "حين وصلت مع ثلاثة من المشاركين الذين ذهبوا من مصر إلى العاصمة الجزائرية الجزائر (عزَّتْ الأسماء وندرتْ، فجعلوا للبلد وعاصمته اسماً واحداً!)" و ذكر حادثة مؤسفة وقعت له في الجزائر لا أحد يعرف إن كانت صحيحة أم لا ثم قال "وبالطبع لم أفكر ثانية فى السفر إلى هذا البلد، فرحمتُ نفسى بذلك من تكرار مثل هذا الأمر الذى وقع هناك.. وقد أكون رُحمتُ من تفجيرٍ عشوائى أو مذبحةٍ جماعية من تلك المذابح التى نراها دوماً على شاشات التليفزيون...وهل هناك حقاً حكومة وجماعات إسلامية بهذا البلد المسمى (الجزائر)؟ مع أنه فى معظمه امتدادٌ صحراوى لا يحوطه بحرٌ، مثلما تحوط البحار الجزر (الجزائر)". وقال "أتذكرُ.. كان معنا فى كلية الآداب طلاب جزائريون بالدراسات العليا، وكانوا والحق يقال مثالاً للغباء والعنف الداخلى، والتعصب المطلق (أى التعصب لأى سبب) ومع أن المنح الدراسية المقدمة لهم، ويا للعجب، كانت مجانية، أى أن مصر (المحروسة) تقوم بسدادها عنهم، إلا أنهم كانوا لا يكفون عن التذمر، لأنهم كانوا حانقين على بلدهم! لأنها أرسلتهم إلى مصر وليس إلى فرنسا، كآخرين من زملائهم." وأضاف "تراثنا لا يعرف بلداً اسمه (الجزائر) ولم يستخدم أحدٌ هذه التسمية غير المطابقة لواقع الحال، أعنى لهذه الصحراء التى تمتد فى كل الجهات، وتمتد فى نفوس الناس. ولذلك لم تصح أخلاق سكان الجزر، لسكان الجزائر، لأن سكان الجزر عادة ظرفاء". وقال "فما هم إلا صحراويون لم تعرف بلادهم يوماً نسمات التحضر، ولا يعرف تراثنا عالماً واحداً يحمل لقب (الجزائرى)".

والمقال طويل يحمل الكثير فيه.

المشكلة هنا ليست في السب، وليست في قول الكلام الجارح، المشكل هنا يكمن في أن مثل هذه الكلمات صدرت من أفواه أشخاص يجبوا أن يكونوا "مثقفين"، ممثلين وإعلاميين ومأثرين وكاتب لم يخفي جهله الكبير رغم معرفته حتى سخر من اسم لعاصمة دولة. (وفي كل المقال كان يستخدم لقب المحروسة لمصر وتغافل عن أن اسم العاصمة الجزائر كان المحروسة قبل الاستعمار). وفي الأخير، اعتذر مثل الآخرين، لكن اعتذار زيدان كان أقبح من ذنبه، فلم يعتذر لأنه كان يعرف بأن لغته التي استعملها في السب لم تكن راقية أبدا، بل لأن مثقفون كثر راحو يوقعون عريضة للجنة البوكر لسحب روايته عزازيل الفائزة بالجائزة رغم أن الأخير مستحيل إلا أن نتيجة الفعل وحده تذهب الكثير من سمعة زيدان، وبسبب خوفه من وقوع الأسوأ (ذهاب سمعته مع الريح)، قدّم اعتذاره في مقال آخر على نفس الجريدة إلى الكاتب واسيني الأعرج بعنوان"رسالةُ حُبٍّ واعتذار للروائى الجزائرى واسينى الأعرج". في استغباء صارخ للناس، فعندما سبّ وأهان، أهان كل الجزائريين، لكن وعندما اعتذر اعتذر من واسيني الأعرج الذي وفي مثل هذه الحالة هو يمثل نفسه ولا يمثل الجزائر. وقال الأعرج في هذا الصدد "كنت صدفة في بيروت لإلقاء محاضرة، وكان هناك مجموعة من المثقفين العرب بصدد توقيع بيان لنزع البوكر العربية من يوسف زيدان، ودعيت إلى الكلمة، وإلا ما كنت لأتدخل وقلت بأنني خارج هذا الصراع، صحيح لا يمكنني القبول بمس الشهداء، لكنني لا أقيس الشعب المصري و ثقافته بطيش”الزعران” بمن فيهم أبناء مبارك، الصحافة لعبت دورها وكان لها ما يكفي من رد الفعل، كما أن البوكر منحت ليوسف زيدان عل أساس كتاب، والبوكر ليست لعبة والجائزة الأنجلو ساكسونية لا تخضع لهذا التهريج، وكنت متأكدا بأنهم لن ينزعوا منه الجائزة. بعدها اتصل بي يوسف زيدان في بيتي واعتذر كثيرا وقالي لي بالحرف الواحد: “البلد الذي فيه واحد مثلك لا يجب أن يظلم” وانتهت المكالمة عند هذا الحد، لأقرا بعدها مقاله مثل كل القراء، فما دخلي أنا فيما كتبه هو؟ لأفاجأ بعدها بمن كتب يتهمني بقلة الوطنية. النقاش كان منحطا لذا فضلت الصمت وعدم الرد، لأنني لا أحب الكلام الذي لا معنى له".

تلك الأزمة أظهرت الكثير على السطح، فقد ظهر زيف المثقفين الذين لم يقدروا على اخفاء شفافية خلفيتهم الثقافية في بضعة أشهر. ولكل من يسأل عن الجانب الجزائري، فالقانون في ذلك الوقت كان يمنع فتح قنوات خاصة، والقنوات الموجودة كانت قنوات حكوميّة تتبع النهج الرسمي في التعامل. واكتفى الجزائريون بالرد على مواقع التواصل التي كان معظم المشارقة وقتها لا يملكونها من الأساس، أي أن تأثيرها كان كصب المياه في البحر.