يواجه الإعلام في العالم العربي مصاعب جمّة من قيود على حريّة التعبير في كل البلدان العربيّة إلى فرض أجندات سياسيّة على الإعلام نفسه بغرض تضخيم أو تقزيم مسألة ما.

لم يشهد الإعلام العربي عامة أي قفزة نوعيّة في مجال حريّة التعبير التي مسّت مباشرة بمصداقية الإعلام الذي أصبح أداة بأيدي الحكّام، وفي عالم الرقمنة الذي نعيشه، بات الإعلام والصحافة متمركزين أكثر في القنوات التلفزيونيّة التي يسهل من خلالها إيصال المعلومة (مغلوطة كانت أم صادقة) إلى المتلقي.

لعلّ الثورات العربيّة في شتّى ربوع العالم العربي قد أثّرت بنسب متفاوتة في الإعلام وفي مدى استقلاليته، وأشهر مثال عن ذلك، الإعلام التونسي الذي ورغم التحديات المفروضة عليه دوما، فقد شهد قفزة نوعيّة بعد ثورة الياسمين التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي والمجلس التأسيسي الذي استأصل كل أنواع الديكتاتوريّة من تونس لفترة من الوقت والتي ساعدت في جعل الإعلام التونسي أكثر حريّة من ذي قبل. 

ونفس الشيء حدث في الجزائر، ففي أوجّ الحراك الشعبي الذي أطاح بنظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، شهد الإعلام الجزائري بكلّ أطيافه حريّة ملموسة في ظل غياب سلطة ديكتاتوريّة تملي عليه الأوامر، فشهد الجزائري جرأة غير معهودة وشفافيّة في إعلام بلاده لم تدم كثيرا حتى انمحت وصارت أثرا بعد عين. بل تراجعت عمّا كانت عليه سابقا بوضوح (تراجعت بخمس مراكز في عام 2020 عمّا كانت فيه في عام 2019، وبسبعا وعشرين مركزا عمّا كانت فيه في 2015 حسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود).

أما في المشرق العربي، فتستأثر القنوات الدوليّة على الصورة العامة، وقد تجلّت بوضوح انعداميّة الحياد في هذه القنوات في كثير من المناسبات.

قناة الجزيرة القطريّة، أشهر قناة عربيّة دوليّة في العالم، والقناة التي تأخذ من "الرأي والرأي الآخر" شعارا لها، ظهر خلاف ما تتغنى به منذ منتصف عام 2017 بعد أن بدأ حصار دولة قطر من طرف الإمارات والسعوديّة والبحرين ومصر بسبب اتهام قطر بدعم جماعات "إرهابيّة" (في نظر تلك الدول). وعلى مدى أربع سنين، لم تتوانَ قناة الجزيرة عن مهاجمة تلك الدول والتركيز على فضحها في سلاسل طويلة من الأفلام الوثائقيّة والبرامج، وأشهرها برنامج "فوق السلطة" الذي دأب فيه نزيه الأحدب على مهاجمة دول الحصار وتخصيص فقرات لها في كل حلقة، واللافت للانتباه، كيف توقفت قناة الجزيرة فجأة (وكل برامجها) عن مهاجمة السعوديّة ومصر بعد اعلان البلدين عن استرجاع العلاقات مع قطر في عام 2021، مع الاحتفاظ بنفس النبرة العدوانيّة اتجاه البحرين و الإمارات التي تردّ بإعلامها الموجّه أيضا والمتمثل في قناة سكاي نيوز عربيّة، وقناة العربيّة السعوديّة، وقناة سعودي 24 السعوديّة أيضا، وقناة الغد المصريّة. 

في أواخر جويلية عام 2021 قام الرئيس التونسي قيس سعيّد بحل البرلمان وكسر شوكة حزب النهضة، والمثير هنا هو اسراع السلطات التونسيّة إلى غلق مكتب قناة الجزيرة في تونس في نفس اليوم، والسبب ورا ء ذلك كان واضحا، فتغطيات الجزيرة التي تمثّل التيار المحافظ (تركيا وإيران وحزب النهضة وكل نسخه الأخرى في العالم العربي)، وتغطية قنوات الإمارات التي تمثل التيار المعادي للأول، تغطيتان ليستا حياديتين وليستا بنفس الحجم الذي يُعطى للتغطية نفسها. 

إن التكتلات السياسيّة في العالم العربي تؤثّر على الإعلام مباشرة، فنرى تكتل قطر وتركيا وجناحهما الإعلامي "الجزيرة" من جهة، وتكتل "دول الحصار سابقا" وجناحها الإعلامي المتمثل في "سكاي نيوز عربيّة و قناة العربيّة ومعظم القنوات المحليّة المصريّة"، وتكتل ليس بسياسي محض والمتمثّل في القنوات الأجنبيّة الناطقة بالعربيّة والتي تجد صعوبة في تغطية الخبر دون أن يتمّ مهاجمتها من طرف المتابعين الموّجَهين سابقا.

إن تناول قضيّة ما من دون توابل سياسيّة من طرف أي اعلام في العالم يكون بالصعوبة بما كان، لكن أن يتمّ استخدام نفس التوابل السياسيّة بإفراط، هي حرفة لا تتقنها سوى دول العالم الثالث. دون التطرق إلى الإكراه أوالغصب من قبل الحكومات الديكتاتوريّة التي تنتمي إلى نفس العالم، وتقارير حريّة التعبير التي تصنّف الدول العربيّة في كلّ عام في ذيل القائمة من أقوى الدلائل  وأصدقها على تقنيع الإعلام العربي والضحيّة في كل مرّة هو المواطن البسيط.