كان من المفترض أن أعدّ مقالاً جيداً يصف سوريالية بول إيلوار أو يحدد أبعادها على أقل تقدير.

وإن لم يكن المقال حوله فإنه من الجيد أن يكون عن سلفادور دالي الرسام السّوريالي الذي استطاع صناعة فنٍ حديثٍ يطابق فنية فرويد في معالجة الجنود المرضى الخارجين من صدمةِ الحرب.

غير أني ما لبثتُ أن فهمت أن الحديثَ عنهما يبقى ناقصاً ما لم أفتح نار الكتابة على شخصية غالا.

لماذا أتحدث عنها بشكل خاص؟

من هي؟

كيف كانت تفكر؟

ليسَ أن اقرأ ما كُتب حولها وإنما أن أعيد قراءتها بشكلٍ مختلفٍ هذه المرة.

ولعل الرجوع إلى صورها المتوفرة على الانترنت كان مفتاحاً شيقاً لدراسة أبعاد شخصيتها المختبئة خلف عينين عاديتين لكن متقدتان على نحوٍ مثير للدهشة.

وهنا سأبدأُ بفكرة الدادا

ما هي الدادائية؟

لماذا تحولت من فكرةٍ مناهضةٍ للحرب أو بمعنى أفضل؛

فكرة مناهضة للفن التقليدي؟

ولعل قيامها ليس كي يتم مواجهة تبعيات الحرب بالفوضى الخلاقة بقدرِ ما كان قيامها ضرورة كي يستطيع الكتّاب والرسامون أن يجدوا متنفساً حيث تراكم الكثير من الخذلان خلف إبداعاتهم؛ إبداعاتهم التي تحددت مسبقاً قواعدها وأسسها.

أميل إلى اعتبار ( شخصية غالا) مثالاً عن الدادا

ذلك الفن الفوضوي الذي تشذبّ قليلاً من خلال الكثير من الكتّاب والرسامين والمسرحيين، ليتحول إلى السّوريالية.

السوريالية مناهضة أيضاً للحرب، غير متوافقة (مطلقاً) مع الفن التقليدي الذي يرسم الشجرة كما نراها في الحديقة أو يكتب وصفاً نثرياً لما يراه في وجه امرأة جميلة.

هو فنٌ مختلفٌ عن الواقع، ليس باعتباره لا يصفه، هو يصفُ الواقعَ تماماً لكن يُخرجه عبر أي شكل من أشكال الفن بأسلوب مغاير تماماً عما اعتدناه أو تمت دراسته قبيل القرن العشرين وحتى القرن التاسع عشر.

لماذا أعتبرُ غالا مرادفة للدادا وليس للسوريالية؟

لأنها امرأة تحدت التقاليد التي ألزمت المرأة في تلك الحقبة بالزواج من رجلٍ واحد، وألزمتها بالانجاب والتحول من كائنٍ مستمتع بالحياة إلى كائن هشّ تحكمه الضغوطات اليومية.

في علاقة غالا مع بول إيلوار نستطيع أن نشهد على علاقةِ حبٍ مكثفة لكن هذا لم يمنعها من أن تسترسل في إعطاء حب آخر لسلفادور دالي، رغم فرق السّن الكبير والذي كان أيضاً يعدّ شيئاً معيباً في تلك الأونة.

ينقل لنا التاريخ الواقعي، انفصال تلك المرأة عن زوجها الأول بلول إيلوار، وزواجها للمرة الثانية من سلفادور دالي، ثم في نقلة عاطفية غريبة يخبرنا التاريخُ ذاته عن عودة العلاقة الحميمة بين غالا وزوجها الأول من خلال سلسلة مراسلات تمت بين الاثنين منذ عام ١٩٢٤م وحتى ١٩٤٨م.

إذاً إن كانت غالا بشخصيتها الغريبة و (فلتانها) العاطفي الخارج عن الواقعية يعدّ أسلوباً دادائياً بامتياز

فإن هذا يجعل سوريالية بول وسلفادور أقل وهجاً وأقل كثافةً.

إذ أن ما فعلته المرأة في تلك الحقبة هو عدم كبت مشاعرها واطلاق العنان لصراخِ قلبها.

لقد استخدمت أسلوب البوهيمية في ترك إحساسها مشاعاً أو بمعنى أدق؛ لم تتوان عن إعطاء قلبها الحرية الكاملة في اختياراته!

أليس هذا هو الفن بعينه؟

أليس من الجميل والمدهش ألا نرسمَ دائرة حول جميع خياراتنا في الحياة ثم نجلس وسطها غير آبهين لتغييرات مزاجية قد تصيبنا بين وقت وآخر؟

من الذي كان وراء شهرة لوحات دالي؟

هل كانت الحركة الجديدة التي سميت بالسوريالية هي السبب؟

كانت تلك الحركة فرعاً من عدة فروع لشجرةٍ واحدة هي الدادا، وكجميع الفروع فإن أمر الانتساب للأصل هو الأفضل والأكثر دهشة ولذلك كانت غالا بالنسبة إلي هي المرأة الأصل، الكائن الفنيّ الحقيقي الذي استطاع إخراج أجمل ما في جعبة زوجها الأول من شعر وقصائد وأجمل ما في جعبة الثاني من لوحات مختلفة تماماً عم كان سائدا في تلك الفترة من عام ١٩٥٠م

أعتقد أن الحب لا يؤطر، لا يمكن حجزه بين شخصين، يمكن للزواج أن يفعل ذلك وللعادات والتقاليد المتشددة أيضاً، لكن الحب كفكرة ( متملصة) مما حولها هو أكثر الأشياء التي يمكن لها أن تنبعث مراراً وتكراراً وتتكاثر بطرق لا حصر لها كما يتكاثر الهواء من حولنا.