الداعي الجهالة هو شخص طيب القلب هادئ الأصعاب، كان على الأغلب غارق في الذنوب وهداه الله فرأى أن هدفه في الحياة هداية الآخرين، دون ادوات ودون ادنى معرفة مطلوبة، إعتمادً على قاعدة أن الحق بين والباطل بين، فيصطدم بالعبد لله ليدعوه للإيمان، فيلهمني لكتابة هذا الموضوع حول هذه الظاهرة المنتشرة في العالم.

يبدأ النقاش بحديث حول توبته وكيف الله هداه وأنه يحاول هداية الآخرين، فأطلب منه أدواته التي سيستعملها، فيقول لي أن الناس مدركون انهم واقعون في الحرام ويحتاجون فقط لمن يوقظ قلوبهم، لم يدرس أبسط مبادئ علم النفس ولا أبسط علوم الدين حتى، فهو رجل بسيط كانت له تجربة يود أن يفيد الآخرين، طلبت منه أن يبتعد عن هذه البيئة الضارة حماية لنفسه من أن يعود للمعصية وحماية للآخرين فهو جاهل، أستقول للناس أن الكحول حرام في الخمارة والبارات؟

رد علي أنني أثبطه وأحبطه وأني واقع في هذه المعصية ودعا الله أنه يهديني، فأخبرته أن يهدينا جميعًا وأنه افترى علي حين قال ذلك، فقال لي ادرس التنمية البشرية في القرآن يا مدعي العلم النفسي، فأخبرته انها هراء في زجاجات تباع ب٥٠ دولارً، وغضبت من الغباء فقال لي أني جاهل لم أدرس علم النفس لأني أذكر ألفاظًا نابية وأنعته بالجاهل، فقلت له نعم أنت على حق فنصحني بتدبر القرآن فسألته وهل تعرف الأدوات اللازمة؟ وأتيت له بأحد آيات السيف -التي يقال عنها أنها آية سيف- من سورة التوبة فطلبت التفسير فلم يفسر، فقلت له أن الفرق بين الإسلام وداعش هو شعرة الجهل.

فإذا فسرتها له نعتني بالجهل لأني لم أذكر سبب النزول، فإن أتيته بكلام السيوطي عن أن أسباب النزول ليست شرطًا لكل آية في القرآن -مع أني آخذ برأي آخر ولكن مجاراةً له، فنعت السيوطي بالهبد، فقلت له اتعرف كلام من هذا؟ فقال لا أعرف السيوطي فأغلقت الحساب وبلكته واستغفرت الله.

ظاهرة الداعي الجهالة مختلفة عن الداعي الجاهل، أو الناصح الجاهل، هنالك بالتأكيد من ينصح بجهل، ولكن المكابرة في الجهل والقول بأنه ليس من الضروري دراسة أي شيئ وأنه ما عليه إلا النصيحة منتشرة كثيرًا في عصرنا، اسأل خالة أبيك عن الدواء السحري لعلاج آلام الظهر الذي أخذته عن صديقة جربته، وكان قرنفلًا مسحوقًا بالسمسم الحار، أو ملعقتي عسل النحل التي ستجعل صحتك خارقة، أو كوب المياه بالليمون الذي جربته أستاذة منال ونزل وزنها ١٠ كيلوجرامات.

يلجأ الداعي الجهالة لحجة "الحلال بين والحرام بين" وأنه "ما عليه إلا البلاغ المبين"، كما تذهب أستاذة منى في الدور الرابع إلى أن " أختي مأكدة لي أن الخلطة نافعة" و "أنا مجربة الحجامة بنفسي وكل الأطباء لم يفدوني، ومشكلة هذه الحجج أنها في صلب العقيدة، لا يمكنك تغييرها بالساهل، فإذا أخبرته أن النصيحة والدعوة غير كافية ويجب اتخاذ وسائل مختلفة حسب كل حالة فردية، قال لي "الرسول دعا الناس وآمنوا به لأنه الصادق الأمين" مختصرًا رحلة ٢٣ عامًا في هذه الكلمات، فإن أخبرته ان وسائل الدعوة العادية لم تفلح إلا في جذب عدد لم يتخط المئات في ١٣ عامًا، وبعد الهجرة أمر آخر لاختلاف أحوال الناس، قال أني جاهل جهالة.

ظاهرة المكابرة في الجهل واضحة في بلادنا، وإن أعتبر البعض أني أتكبر فأنا موافق، وأنا أعيب بنفسي على البعض تكبرهم وإحتكارهم للحق، ولكن إن لعبت بقواعدك فوجدت أنها مائعة مبنية على الجهل فلا تتوقع مني إلا أن أبدو مغرورًا، وهذه الظاهرة في نظري هي سبب أساسي من أسباب تخلفنا، كم مرة رفضت الذهاب للطبيب وأخذت بكلام ونصائح صديقك العلامة؟ كم مرة رفضت أخذ العلم واعتمدت على فطرتك العبقرية في إدارة المشروعات؟

أعتقد أن مشكلتنا الحقيقية هي الكسل، والإيمان يرضى هذه المشكلة لدينا، فالمؤمن البسيط أكثر إيمانًا آلاف المرات من العالم، وكما نقول "ماشي بنور الله، لا يرى مشاكل في أسلوب حياته ويرضى بجهله، العلم قد يكون أصعب مليون مرة من أي عمل يتطلب مجهودًا بدنيًا، وربما نحن شعوب اعتادت الكسل، قد نكون أكثر شعوب العالم عملًا ولكننا بلا أدنى شك أقلهم طلبًا للعلم أو محاولة لإعمال العقل، فحتى أكثر العلوم التي نطلبها هي علوم نقاية نحفظها ونقلد فيها من سبقنا من المجتهدين، فلا تجد مجددًا اليوم إلا وهوجم، بينما نحفظ كتب علوم الدين حفظًا عن مجددي عصرهم.

تقديم النصيحة لا ينفع دائمًا، بل قد يضر كثيرًا وإن كانت مجرد كلمتت غير مدروسة، النزعات الإنتحارية لا يجب أن يعالجها إلا متخصص، وكذلك السقطات الإنسانية، فإن كنت تعتبر مجتمعك آثمًا فمن فضلك على الأقل حاول أن تدرسه قبل أن تحاول إصلاحه، أنا أؤمن أن نيتك جيدة، وأن الأعمال بالنيات، ولكن عواقب الأعمال نتحملها جميعًا عزيزي وإن كنت لن تأخذ سيئات عليها، لذا من فضلك لا تكن أنانيًا وتلهث خلف حسناتك فقط، هناك طرق أخرى قد تعطيك جبالًا من الحسنات كما تشاء.

هل أنت مع ما حاول فعله؟ هل انت مع تقديم النصيحة ومحاولة إفادة الناس وإن لم تكن على قدر من العلم؟ هل لو نفع معك هذا الدواء ستقترحه على الآخرين؟ هل الدراسة مطلوبة لهداية الناس؟ هل مجرد كون الحلال بين والحرام بين كاف لأن تعمل نصيحتك؟ هل تعرضت لموقف اضطررت فيه للتقوقع في قوقعة حماية لأفكارك؟