كنت أتصفح عناوين المشاريع المتعلقة بالكتابة الترجمة في منصة مستقل

أحد المشاريع لفت انتباهي بالميزانية المخصصه له، المطلوب فيه كتابة مقالات حصرية متخصصة في السياحة، أما الميزانية فهي بين 500 و 1000 دولار

فقلت في نفسي، هذا شخص فعلاً يريد محتوىً ذو جودة عالية، يقدر هذه الصناعة وهذا الفن، لكني انصدمت عندما دخلت وقرأت تفاصيل الموضوع، فالمطلوب هو عدد مقالات يصل إلى 1000 مقالة بهذا السعر، ثم تجد شروط ومواصفات تتطلب جودة عالية في العمل، يعني سعر المقالة تقريباً دولار واحد.

أكملت التصفح ووجدت مشروع آخر معنون بـ" تعبئة محتوى"

فقلت في نفسي، صحيح، هذه الأعمال هي "تعبئة" وليست "صناعة" والفرق كبير.

تعبئة المحتوى مثل تعبئة الأكياس بالمواد الغذائية في المصانع، تجد العامل ينجز الكثير في وقت قصير، فهو يعمل بشكل آلي، يأخذ من هنا ويضع هناك، ثم يطبق ويغلف، لا يهمه "محتوى" تلك الأكياس،

وفي الكتابة، وحتى وأن كانت المقالات حصرية وغير منقولة، هي فقط تعبئة، يطلع الكاتب على الكثير من المقالات المتعلقة بدون أن يشغل نفسه في الفهم والتعمق والتأكد، بدون أن يكون مهتماً أصلاً بالموضوع، أو لديه خلفية عنه أو دراسة فيه، يدخل أكبر كمية من الكلام ثم يعيد أخراجه من جديد، دون أن يكون له بصمته الخاصة ونظرته الفريدة للموضوع، ناهيك عن انعكاسات تجربته.

طبعاً ليس اللوم على الكتاب الأحرار، فهم مضطرون لذلك بسبب تدني تلك الأسعار، العتب واللوم على أصحاب تلك المواقع، من يساهمون في زيادة "الغث" في الويب العربي، من ينشرون المحتوى السطحي الذي لا يرقى بالعقل ولا بالروح، من أصبح همهم الوحيد المكسب المادي ولا يفكرون في البصمة التي قد تخلد ذكراهم.

الصناعة الحقيقية هي عندما تكتب في مجال أنت مهتم به، عندما تكتب بشيء لك خبره وتجربة فيه، أو على الأقل، شغف يدفعك للقراءة والإطلاع بشوق ومتعة، لأنك راغب في معرفة المزيد لأجل نفسك قبل أن يكون لأجل الكتابة وكسب المال، وعندما تكتب بعد ذلك، ستنسال الكلمات من بين يديك بدون تكلف، ويصبح الناتج محتوىً يقدم قيمة حقيقية للقارئ.

كلما أتصفح مواقع العمل والحر والمشاريع المتعلقة بصناعة المحتوى، أصاب بنوع من الاكتئاب، وأخرج سريعاً، وأنوي أحياناً أن أقدم عروضاً بين المقدمين، لكن بسعر يفوق بكثير ماهو معروض، ليس لأجل شيء، فقط للمساهمة في رفع السوق وإكرام المحتوى.

بالله عليكم يا صناع المحتوى، لا تقبلوا بالرخيص، والرزق على الله.