أمورٌ مشتركةٌ لابد لطالب العلم منها في جميع طرق تحصيله للعلم [1].

الأمر الأول: الإخلاص.

لا تنتظر مدح المادحين، ولا ثناء المُثنين، ولا إعجاب المعجبين، فهذه من أوَّل المهالك والمعاصي في طريق كل عبادة، وبالأخص طلب العلم؛ لأنها عبادة متعدِّية إلى من يسمعها ويقرؤها ومن تبلغه، وليكن هدفك وقصدك مرضاة الله تعالى.

فائدة: مهما لبّس عليك الشيطان لابد أن تستمر في جهادك.

الأمر الثاني: الدعاء.

أن يدعو الله دائماً، فالدعاء -بفضل الله تعالى- يفتح ما كان مستغلقاً، ويُقرِّب ما كان بعيداً، ويجمع ما كان مفرَّقاً، ويُسهِّل ما كان عسيراً.

فائدة: طالب العلم من أحوج الناس إلى الدعاء.

الأمر الثالث: اجتناب المعاصي.

المعصية مَعْطِب -أي: هلاك- وهي عائقٌ يقف سدًّا في تحصيل كلِّ خير، وطالب العلم ينبغي أن يكون أحرص الناس على ترك المعاصي وعدم قربها،

قال ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: (إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها)[2].

فائدة: قال الشافعي -رحمه الله-[3]:

شَكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حِفْظـي فـأرشَدني إلـى تـركِ الـمـعـاصِي

وَقـــال اعــلــم بِـــأنَ الـعــلِـــمَ نُــــورٌ وَنــورُ اللهِ لا يُـــؤتَــى لِـــعـــاصــي

الأمر الرابع: قراءة سير العلماء.

*نماذج لكتب سير العلماء:

  • تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي.

  • سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي.

  • كتب طبقات تراجم المذاهب.

*ما هي فائدة قراءة كتب سير العلماء؟

الجواب: تقوية الهمة، واشتداد العزيمة.

فائدة: ينبغي أن يجعل طالب العلم لنفسه نصيباً من قراءة بعض كتب التراجم.

الأمر الخامس: قراءة بعض كتب أدب الطلب.

فائدتها أنها تفتح للإنسان أبواباً كثيرة من الخير.

الأمر السادس: مجالسة المتميز في حفظه وفي فهمه وفي قراءته.

أصحابك ليسوا سواءً، فهم يختلفون في عنايتهم بالعلم حفظاً وفهماً وقراءةً ومحافظةً على أوقاتهم، وتميُّزاً في تعبُّدهم، وتميزاً في سلوكهم.

فائدة: احرص على أن تلازم من تشعر أنك تستفيد منه علماً وخُلقاً وزيادة في همتك.

الأمر السابع: مجاهدة النفس وعدم اليأس.

يستسلم بعض المبتدئين في الطلب في أوَّل مراحله! يعجز عن حفظ متن فيستسلم وييأس، أو يعجز عن إكمال قراءة كتابٍ فيضعُف، أو يعجز عن فهم درسٍ كان يحضره فيَعزُب عنه ويغفل عنه!

قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[العنكبوت:69].

قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الجِهَادِ أَنْ يُجَاهِدَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ)[4].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنمَا العِلمُ بالتعلُّم، وَإنمَا الحِلمُ بالتحلُّم، وَمَنْ يَتَحَّر الخير يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشرَّ يُوقَه)[5].

الأمر الثامن: تذكر وانظر في معارفك وفي أقرانك.

سترى أن هناك من يصغرك سنًّا قد حصَّل أكثر منك علماً، وسترى أن هناك من يفتقد ضروريات -وهي عندك كماليات- قد حصَّل أكثر منك علماً، هذه المقارنة والمفارقة تزيدك إلى أن تكون مثله أو أحسن منه، والمهم أنك إذا نظرت في أصحابه سترى تمايزاً، وانظر إلى من يقل عنك مالاً وتيسيراً في سعة الرزق وفي سهولة الأسباب، فإذا رأيت من أولئك من قد فاقك علماً فلزاماً أن تشحذ همَّتك وأن تغبطهم ولا تحسدهم.

الأمر التاسع: ترتيب الأوقات.

ترتيب الأوقات والسَّعي في المحافظة على لحظات وقتك من أعظم الأسباب في تحصيل العلم؛ فطالب العلم ينبغي أن يكون من أبخل الناس بالوقت أن يضيع سُدى، وأن يكون من أكرم الناس في بذل العلم ونفع الناس، فانظر في أوقاتك وكم يضيع من الأوقات بلا تحصيل!

نُقل عن عامر بن قيس أنّ رجلاً قال له: كلِّمني. فقال له: أمسك الشمس![6].

نصيحة ذهبية: أوقاتنا كثيرةٌ -ولله الحمد-، ولكن نحتاج إلى ترتيبها، وبعض الناس يتعذر بعدم البركة في الوقت، ويُقال لهذا وأمثاله: البركة موجودة، لكن المعاصي والفوضوية تحجبها، ولو نظرنا في حال بعض مشايخنا رأينا -مع كثرة مشاغلهم- حسن الترتيب في أوقاتهم؛ ذلك لأنهم أعطوا كل ذي حق حقه ومستحقه بتوفيق الله جل وعلا أولاً، ثُمَّ بعنايتهم بأوقاتهم ثانياً.

قلت -محمد عبيد الشحي-: صدق الشيخ -حفظه الله- وأنصح وبشدة بقراءة تراجم الأئمة الثلاثة، ففيها أمثلة واقعية وعصرية للحفاظ على الوقت بل والشخ فيه!.

  • الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-.

  • الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-.

  • الشيخ العلامة محمد بن ناصر الألباني -رحمه الله-.

الأمر العاشر: تكرار ما حصلت من العلم سواءً كان محفوظاً أو مفهوماً أو مقروءاً.

يقول بعض علماء علوم لقرآن الكريم: (من حفظ بسرعة نسي بسرعة، ومن ختم في خمس لم ينسَ).

يعني من كرَّر حفظه للقرآن الكريم في كلِّ خمسة أيام مرَّةً فالغالب أنّ حفظه يكون راسخاً مستقراً في ذهنه، فإذا استفدت معلومة فإنّ تكرارها وتردادها والإخبار بها من أسباب رسوخها وبقائها.

فائدة: تكرار الشيء يزيده رسوخاً في الذهن.

الأمر الحادي عشر: نشر العلم.

نشر ما سمعت وما قرأت وما فهمت بقصد التقرُّب إلى الله تعالى، ثم بقصد تثبيت العلم ونفع الناس،

الأمر الثاني عشر: كثرة شكر الله تعالى وكثرة حمده كلما ازددت علماً.

قال أبو قِلابة: *(إذا أحدث اللهُ لك عِلماً فأحدِث له عِبادةً، ولا يكن همُك أن تُحدِّث به الناس)[7].

من فوائد الشكر:

  • الإعتراف بفضل الله.

  • الإفتقار إلى الله.

  • الحذر من العجب.

  • الزيادة في النعم.

الأمر الثالث عشر: الحذر من التطلع إلى التصدر والترؤُس.

فذلك من أعظم الموبقات والمعوِّقات لطالب العلم؛ فلا تنظر متى تجلس على كرسي الصدارة، بل اطلُب العلم وطلبُ العلم -بعد فضل الله- يَقودُك إلى خيرٍ كثير، ويدرأ عنك شراً كثيراً.

أمَّا إذا كان قصد من يطلب العلم:

  • أن ينظر متى يترأس؟

  • ومتى يتصدر؟

  • ومتى (يتشيَّخ)؟

فلا شك أن النية هنا مدخولة، فالحذر كل الحذر!

الأمر الرابع عشر: ردُ الفضل إلى أهله.

الفضل كله لله -سبحانه وتعالى- قال -تعالى-: (إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)[آل عمران:73]. هذا لا إشكال فيه؛ لكن من علّمك علماً وأفادك فائدةً ودلّك على أمر جهلته فرُدَّ له فضله.

قال الشاعر:

إذا أفـــادك إنــســانٌ بـــفـــائـــدةٍ من العلوم فأدمن شكره أبداً

وقل فلانٌ جزاه الله صالحةً أفادنيها وألقِ الكَبرَ والحسدا

فائدة: من أسباب البركة في العلم عزو العلم إلى أهله.

نصيحة ذهبية: كثيراً ما يضعف بعضُ الناس عن ردِّ الفضل إلى أهله، وبخاصة إذا كان المفيد من أقرانه، ولا شكّ أنّ هذا من تلبيس إبليس، فرُدَّ الفضل إلى أهله وأبشِر من الله تعالى بما يًسرُّك.

الأمر الخامس عشر: الاستفادة من مشايخ العلم وعدم التفريط في دروسهم.

الاستفادة من مشايخ العلم ليست مقصورةً على علمهم فحسب، بل بتعدّى ذلك إلى النظر في شريف أخلاقهم وجميل آدابهم مع الآخرين.

الأمر السادس عشر: كثرة تلاوة القرآن الكريم.

وهذا الأمر يهمله كثيرٌ من طلبة العلم، وحقيقةً أنّ كثرة التلاوة فضلاً عن كونها عبادةً وتزيد الإنسان محبةً لله تعالى وخشية منه، فإنها مما يزيد في طلب العلم.

نصيحة ذهبية: فحريٌ بك يا طالب العلم أن تُعنى بهذا الأمر، وأن تجتهد ما استطعت في قراءة القرآن الكريم، ففي ذلك زيادة رغبة وقوَّة عزيمة في التحصيل والطلب، وستزداد حبًّا للتلاوة وتحصيلاً للأجر، ومع كثرة التلاوة ستلاحظ أنه يمرُّ بك آياتٌ تحتاج إلى فهم معانيها، وتمرُّ عليك كلماتٌ قد تكون غامضة عليك تحتاج إلى فكِّ إشكالها، وتمّر بك مسائل عقدية وفقهية وأصولية ولُغوية وسلوكية وتربوية، فيكون القرآن قد فتح لك أبواب الخير كلَّها، والاستكثار من ذلك والاستغلال عائدٌ إلى عزيمة طالب العلم.


[1] من كتاب الشيخ الفاضل الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عبدالله السدحان -حفظه الله-، كتاب (يا طالب العلم كيف تحفظ؟ كيف تقرأ؟ كيف تفهم؟)، مع بعض الإضافات والتعديلات والإختصار والزيادة.

[2] الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع - (2\314) طبعة مكتبة الفلاح.

[3] فائدة: شكّك بعضهم في نسبة هذه الأبيات للشافعي، وعلل ذلك بأنّ الشافعي لم يكن من تلاميذ وكيع. ويرد ذلك: بأن الشافعي حدّث عن وكيع كما في كتاب الصدقات من كتاب (الأم)، وأمَّا الأبيات فهي مشهورة للشافعي.

[4] صحيح: (صحيح الجامع الصغير)(1099).

[5] حسَّنه الألباني -رحمه الله-. (صحيح الجامع الصغير)(2328).

[6] (صيد الخاطر) لابن الجوزي (ص20) طبعة دار الكتب العلمية.

[7] (اقتضاء العلم العمل) للخطيب البغدادي (ص34-35).