كل عمـل حر له أزمة خاصة .. المبرمج والمطوّر والمصمم والمدوّن والمسوّق .. بالتأكيد الكـل يمرّ بهذه اللحظـات التي يتحوّل رأسه فيها الى صفحة بيضـاء ، ويخلو فيها من أي شيء .. فقط فراغ كامل ، وعدم قدرة على استيعاب أو انتاج أي شيء.

هذه الحالة المأسـاوية تمثّـل أزمة خاصة للمدوّن تحديداً .. الشعـور أن رأسه فارغ تماماً .. لا يجد أي شيء يكتبه ، أو اي فكـرة تلوح في الافق .. ولو وجدها ، يشعــر بمعاناة حقيقة في تحويلها الى حروف ..

هذه الحالة اسمها يطلق عليها بشكل عام قفلة الكاتب Writer's Block .. كل من عمــل بهذه المهنة ، سواءً بشكـل احترافي أو هواية ، حتماً مر بهذه الحالة ، التي تنبع من أسباب مختلفة .. الإرهاق الشديد .. الاكتئاب .. المشاكل في العمل .. المشاكل الاسرة .. غياب التحفيز .. الضغط الشديد ، والإنتاج السريع ..

هذه القفلة ربما تستغرق أياماً .. أو شهوراً .. أو ربما بضع سنوات - كما كان يحدث للأديب العالمي نجيب محفوظ على سبيل المثال - ..

ولأن بعض المدوّنين يعملون في مواقع تُلزمهم التدوين بشكل مستمر ، فأنا أقتـرح بعض النصائح ، عندما تبدأ بوادر هذه الأزمة :

  • توقف عن الكتابة لمدة 48 ساعة .. ولا تتوقف عن كتابة الأفكـار التي ترد في ذهنك ، حتى لو على ورقة صغيرة.

  • خلال هذه المدة اقـرأ .. اقرأ في أشياء مختلفة تماماً عن اهتماماتك .. حتى لو اشتريت مجلة اجتماعية ، وتصفّحتها على مقهى قريب ، أو أي مجلة لا علاقة لها بموضوع التدوين الذي تكتب فيه .. أو رواية صغيرة ، أو كتاب هادئ بسيط .. المهم ان تبدأ في عمل Input لعقلك المرهق ..

  • بعد هذه الفترة ، ارجع مرة أخرى الى عالمك .. نعم ، ستشعر بإرهاق حقيقي في تحويل الافكـار الى كلمات .. فقط افتح ملف Word وابدأ في الكتابة ، حتى لو كانت الجمل كارثية ، وترتيب الأفكــار مقزز ، ومستوى الأسلوب تراه سيئاً جداً .. فقط استمر في الكتابة ..

  • المحك الرئيس في هذه الفتــرة ليس في ( التدوين ) بقدر ما هو في ( التنسيق ) .. بعد ان تكتب افكـارك وتحوّلها الى تدوينة ، ستجدها سيئة جداً .. مبعثرة .. مليئة بالاخطاء ، وتبدو أنك تجــاهد لخروج الحروف .. فقط اترك التدوينة فتــرة ، ثم عد إليها وابدأ في ماراثون التنسيق ..

  • التنسيق هنا معنـاه اعادة كتابة التدوينة مرة أخرى ، وتصحيح أخطاءها .. ستشعر بجهد حقيقي في هذه المرحلة ، ولكن إياك أن تنتهي بك الى أن تحذف الملف !

  • بعد أن تقوم بهذا المجهود في بعض التدوينات ، ستجد أن الامور عادت مثل البداية ، وبدأت الكلمـات والموضوعات تخرج من رأسك الى يديك الى الملف بسهولة وانسيابية كالعادة.

هذه النصـائح بالنسبة للمدوّن العامل .. الذي ينال أجره بشكـل أساسي من التدوين ، سواءً للإنتماء لمؤسسة إعلامية ، أو من خلال مواظبته على التدوين في مدوّنته الخاصة للحصـول على عائد ..

أما بالنسبة للكـاتب التقليدي ، الذي أصيب بهذه القفلة السوداء أثناء قيامه بكتابة كتاب ، أو مقالات فنّيــة متخصصة .. فالأمر قد يستغرق منه راحة طويلة ، أقتــرح دائماً أن تكون اسبوعين ، ولا تزيد عن شهــر .. وإلا سيشعر بمعاناة حقيقية في الرجوع الى ما بدأه ..

شخصياً ، واجهت قفلات مؤلمة طوال رحلتي في التدوين ، بعضها تجاوزته بسهولة .. وبعضها جعلتني على وشك اتخاذ قرار بعدم العودة الى هذا المجال مرة أخرى !