الحياة، ورغم كل الخلافات الهائلة بين الناس على ما يحدث بعدها أو ما حدث قبلها، حيث قيل وكتب الكثير عن ذلك، إضافة إلى وجود آلاف القصص والتفسيرات والمعتقدات حول هذا الأمر، لكن وللمفارقة فإن الجميع متفق -حتى الآن- على أنها بضعة سنوات ستمر بسرعة. وعلى الرغم من أن الانسان كان ولا زال منذ الأزل يسعى نحو الخلود إلا أنه لا يوجد أي شخص نجح في الوصول إليه، لكن ما قد يبقيك خالدًا في أذهان الآخرين والأجيال التي تليك لمئات وأحيانًا لآلاف السنين بعد وفاتك هي أعمالك وانجازاتك والأثر الذي تتركه من بعدك.

عندما يسألني شخص ما: من هو قدوتك في الحياة؟ أجيب على الفور وبلا تردد "لا أحد"، وعلى الرغم من وجود العديد من العظماء الذين يعيشوا بيننا الآن أو عاشوا قبلنا بمئات وربما آلاف السنين والذين هم بلا شك مثل أعلى للعديد من الناس، إلا أنني لا أرغب أن أكون مثل أحد أو أن أكرر أحد. بالتأكيد سأتعلم من حكمتهم وتجاربهم لكنني ببساطة أود سلوك طريقًا مختلفًا بدلًا من تقليد الآخرين، فما الفائدة من حياتك إذا كان هدفك هو أن تكون نسخة عن شخص آخر؟

إن تفكيري هذا جعلني على خلاف مع مجتمعي في كل شيء تقريبًا، بدءً بالعادات والتقاليد وصولًا إلى مناهج التعليم. جعلني أسعى خلف ما أحبه أنا حقًا بدلًا من فعل ما يقوم به الجميع وما يعتقدون أنه صحيح، وعلى سبيل المثال أذكر أنه قبل عشر سنوات تقريبًا كان مطلوبًا مني حفظ عدد رؤوس الماعز في الجزيرة السورية لكنني كنت حينها منهمكًا في تعلم فيجوال بيسيك 6 بعد أن وقع بين يدي بالصدفة كتاب يشرح أساسيات هذه اللغة، كان الأمر حينها مجرد تعارض في الرغبات (رغبتي الشخصية في ملاحقة شغفي وتعلم ما أحب ورغبة وزارة التربية والتعليم في تعليمي مناهجها)، إلا أن تعارض الرغبات هذا جعلني أتوقف عن متابعة تعليمي النظامي بعد أن نجحت في البكالوريا مصادفةً. وبالطبع لست نادمًا على ذلك لسبيين، الأول هو أن حياتي الحالية وكل ما أنا عليه الآن هو نتاج تلك المرحلة ودروسها، والثاني هو قناعتي أن الندم لا يفيد وعلينا أن نتعامل مع الواقع الحالي بدلًا من التحسر على الماضي.

ومع أنني أعترف الآن أنه إذا عاد بي الزمن إلى الوراء فسأهتم أكثر بعدد رؤوس الماعز -وكذلك رؤوس الغنم وربما الأبقار أيضًا- إلا أن تلك المرحلة علمتني أن ألاحق شغفي وأتعلم ذاتيًا وألا أتوقف قبل أن أحقق ما أريد مهما فشلت. هذه الدروس الثلاثة هي أثمن ما أملك الآن في حياتي. (حتى في هذه مختلف مع مجتمعي، فالأغلبية من حولي يفعلون ما يفعله الجميع ﻷن الجميع يفعل ذلك، ويتخلون عن أهدافهم عند أول فشل، إضافة إلى أنهم مقتنعون تمامًا بعدم إمكانية تعلم مهارة ما أو شيء جديد دون معلم).

في النهاية أنا هنا الآن، واحدًا بين سبعة مليارات آخرين، أحاول القيام بشيء ما مختلف، فريد من نوعه، يترك أثرًا جيدًا على الآخرين، ويجعل العالم مكانًا أفضل. أعتقد أنني ككائن فريد من نوعه يحمل بصمة اصبع وبصمة عين فريدة علي القيام بشيء لم يقم به أحد غيري. وليس الأمر من باب الغرور ولكن إذا لم يكن وجودي يشكل إضافة فلا داعي له من الأساس!

هذا هو ببساطة هدفي في الحياة وهذا مفهومي لها، لا يهم إن حققت هذا الهدف أو لم أفعل، فالسعادة تكون في الطريق نحو الهدف والرضا يأتي عندما أضع رأسي على الوسادة ليلًا وأفكرّ أنني قد فعلت شيئًا جيدً أو خطوت خطوة تقربني أكثر من هدفي.