مرة كل شهرين أذوب كحبة الملح من العاصمة حيث أعيش، بعض الأحيان أتغيب لأسابيع ، بالطبع لا أخبر أحدا أين أنا ذاهب، الحقيقة لمن يتتبع مشترياتي قد يعرف السر، أشتري كمية من الكتب و المجلات ،منذ سنة أصبحت عندي تابلت أنزل عليها عدت كتب...كما أتسوق كل يوم فأشتري عدة أشياء،من أدوية، فساتين، عطورات، أدوات صيد، هدايا،كمية كبيرة من الشاي والسكر، و قائمة بأشياء أوصاني عليها أشخاص معينون، عندما أظهر في محلات التجار و باعة الكتب يسعدون بتواجدي فقائمة مشترياتي كبيرة،و الدفع بالحاضر.أكتري سيارة نقل بضائع و أرسل معها كل شيء، ثم أنهي بعض الأمور و آخذ حقيبة ظهري و حاسوبي المحمول و أسافر.

إلى جزيرتي الخاصة،لكن هل تظنها محاطة بالبحر؟ لا، إنها محاطة بالجبال من كل النواحي،و لا يأتي إليها إلا قاصدها من أهلها فقط، في الأصل كانت ملجأ و مخبأ للمجاهدين الذين قاوموا الإستعمار الفرنسي و بعد الإستقلال قامت الحكومة بتوزيع الأراضي التي كان يستغلها الفرنسيون على المقاومين، لكن جدي و بعض أقاربه فضلوا البقاء هناك ظنا بأن المستعمر قد يعود، ولما طالت المدة قام بإستصلاح ما إستطاع أن يستصلحه من أرض و أعطى جزء آخر لأقاربه و أصدقائه، و أرامل رفاق السلاح، ثم أصبحت قرية صغيرة، هي المركز لبقية القرى لأن المدرسة فيها، كذلك البئر الوحيدة، ثم في السنوات الفارطة أضفنا مستشفى صغير و مركز تجميع حليب،و هذه السنة نعمل على إضافة مكتبة عمومية (هذا إقتراحي أنا).

أقضي أيام كل مرة حسب الموسم الذي نحن فيه فإذا كان موسم جني الزيتون نقوم ,في الأصل يقوم الجميع بجنيه، و يتركون لي بعض الأشجار الصغيرة لأجنيها بنفسي حتى أنفذ الشعار الذي أستعمله لتشجيع الناس، وهو "يأكل من يعمل".

أما إذا كان المحصول فستقا فأنا دائما من الأوائل طبعا لا أحتمل الصمغ الذي يلتصق بالشعر فيجعلني غير قادر على تمشيطه، و كذلك عند جني المشمش أو اللوز أو التين و التين الشوكي.

أنا عادة لا أعمل كثيرا، فمهمتي هي أن أدرس (درست إلى حد الآن في خمسة جامعات ، لولا ظهور الMOOC لكنت الآن في كوريا الجنوبية)و أمسك الحسابات، أفاوض التجار ، منذ سنتين قمت بجعل كل المنتجات بيولوجية، خاصة و أن أهالي المناطق المجاورة باعوا أراضيهم لشركات كبرى تستعمل تكنولوجيا حديثة، و بما أن الفلاحة العصرية تتطلب أموال طائلة و تعاملات مع بنوك ربوية تمتص دم الفلاح ، فقد قررنا أن نتجه نحو الفلاحة البيولوجية، خاصة و أني خبير بالتسويق و إنجاز مواقع الواب.

أقضي أياما رائعة، حيث لا موصلات و لا تفكير في الإيجار، أو الفواتير، أو أي شيء مما يقض المضجع حول أمور الحياة اليومية، أو ما أسميه طاحونة الحياة، التي تنقض عليك فتجعلك تدور في دائرة مغلقة من السعي من أجل رغيف الخبز، فإذا أدركت ثمنه، خلقت لك حاجة جديدة، بإسم مجتمع الإستهلاك، فما إن تشتري شيئا حتى يأتيك شيء آخر تحت مصطلح الموضة، التباهي، الدرجة أو المستوى الإجتماعي...

في قريتنا لا نعترف بالحكومة، أصلا هي نسيت و جودنا لذلك كل شيء أنجزناه بأنفسنا، فآخر شيء عملناه هو تمديدات الماء، التي أنجزناها بعد أن تضاعف سعر الذهب، فتبرعت كل إمرأة بما خزنته تحت البلاطة من حلي، طبعا بعد خطبة حماسية مني أنا، حين إطلعت على ما فعلته نساء كوريا الجنوبية ، عندما أفلست دولتهم، الحقيقة، لم تنفع الخطبة، فقد قالوا،ماذا تريد، قلت لهم الماء في حنفيات في المنازل كما في المدينة، ببساطة، قالوا إفعل ماتريد، المهم نريد ماء، بدون أن تتفلسف علينا :).

أقضي يوميا فترة لا بأس بها في قراءة الكتب ، حيث لا يزعجني شيء، لا إيميل، و لا تسليب، ولا رنة هاتف فعندنا لا توجد تغطية شبكات، لأن الجبال تمنع مرور الترددات.قريتنا ليست الوحيدة المعزولة، ففي إيطاليا هناك عدة أماكن ليس بها تغطية، كذلك في أمريكا، حيث يعيش الأميش و هم طائفة مسيحية، لا يستعملون التكنولوجيا.

إلى اللقاء في تدوينة أخرى