في طفولتي ،كانت تراودني عدة أسئلة عن الأشياء التي تعترض سبيلي،فمثلا كيف يعمل التلفاز، فأقوم بتفكيكه قطعة قطعة و لا أعرف الإجابة،ذات يوم كنت أتجول في الجبل بحثا عن ثعلب لأطاردها أو أرنب أو أي شيء يتحرك، وجدت صندوق من مخلفات الحرب فيه أشياء كثيرة،لكن مصنوعة من الحديد و ثقيلة،

كما كانت هناك أشياء خضراء أعجبتني، فعدت بها إلى المنزل، كل من أسأله يقول هذه إسمها قريناتGrenade أو لاغمmine ،إذهب و إسأل المجاهد فلان فهو حارب الفرنسين قد تجب الإجابة عنده، أخذت ٱلعابي و أصدقائي و ذهبنا في موكب إليه،فقال لنا تلك أشياء خطيرة تصدر أصوات قوية و تقتل، وقام بأخذها مني، عدت فيما بعد إلى الصندوق، وأخذت منه عدة أشياء وقمت بإشعال النار فيها، و بدأت الألعاب النارية، خرجت من التجربة بوشم في شكل صليب على جبيني،فأهلي لم يشاؤوا أن يأخذوني إلى المستشفى لتجنب السؤال عن سبب إصابتي فقامت عجوز بمداواتي بالكحل و الرماد، ثم عندما شفيت رسمت شكل الصليب لتجميل الآثار.

ذات يوم قامت الحكومة بجلب الكهرباء لمنطقتنا ، طبعا حيرتني أسئلة حول شكل هذا الشيء العجيب الذي يحول ظلام ليلنا إلى نور و الذي يجعل التلفاز يعمل، هل هو كالماء ، فلمست سلكا ينقله، إرتعشت كالقصبة في مهب الريح، ثم طرحني أرضا،ومن يومها و أنا أبحث عنسر هذا الكائن العجيب، الخفي.بالطبع سألت معلمي لكن الإجابة كانت مبهمة، فهو تيار و أمبير و فولت...لكن بقيت أبحث عن الإجابة إلى أن وجدتها عندما درسنا الفيزياء في المرحلة الثانوية.

في السنة السادسة من التعليم الإبتدائي إشتريت لعبة، لكن كان مكتوب عليها أشياء بلغة غير اللغة الفرنسية ،ذهبت إلى أحد الطلبة، فقال إنها اللغة الإنجليزية، و هي مشهورة في كل أنحاء العالم عدى بلدنا، لأننا كنا مستعمرين من فرنسا، طلبت منه أن يعلمني كلمات ، فعلمني العد إلى عشرة، ثم مائة، في المدرسة كان المعلمون ينادونني لأعد لهم بهذه اللغة الجديدة، و كلما تعلمت كلمة جديدة أخبرهم عنها، عندما ذهبت إلى المعهد كنت دائما أحصل على العدد كاملا في هذه المادة...

في أحد أيام الصيف كانت عندنا حفلة فإكترينا مولد يعمل بالبنزين لإنارة الساحة وفي الغد كنت أساعد في جمع الكراسي و ترتيب المكان، فوجدت الوعاء الذي كان فيه البنزين، رائحة البنزين منعشة فأخذته إلى أمي التي قالت لي إياك أن تشعل بقربه النار لأنه" يخطف" ، تسائلت بيني و بين نفسي ، كيف يخطف؟ ،أخذته وراء المنزل و أشعلت عود كبريت و رميته، الأول لم يُخطف، و الثاني كذلك، أحد الأعواد شق طريقه داخل الوعاء، شاهدت كرة حمراء خرجت صغيرة، ثم أصبحت كبيرة و بما أن زاوية الفتحة موجهة خمسة و أربعون درجة إلى أعلى، فكرة النار مرت أعلى مني بقليل، لكن قليل منها مر بوجهي لثواني أو أجزاء من الثانية، كانت كافية لأبقى بدون شعر حواجب، ووجه مشوه...أخذوني إلى المستشفى لكن الدواء لم ينفع، بعدها أخذوني إلى طبيب رعواني صنع لي وصفة أذكر فيها زيت محركات محترق، لأننا ذهبنا إلى ميكانيكي سخر منا حول هذا الأمر لكن في النهاية نبت شعر حاجبي، وأصبح وجهي كأنه لم يحترق.

عندما نجحت في الباكلوريا كنت الأول على مستوى الولاية و رتبتي جيدة على مستوى الوطن، الجميع نصحني أن أذهب إلى مدرسة المعلمين ، سنتين و تصبح معلما يقع تعينك مباشرة بعد التخرج، لكني إخترت طريقي، الجميع قال خمس سنوات هذا كثير.

حين دخلت الجامعة كان الكبار يحذروننا من السياحة، أجل السياحة،حين نقول هل تقصدون النساء ذوات العيون الزرق و الشعور الصفر اللواتي نراهن على الشواطئ في الصيف، لكن الصيف إنتهى،كانو يقولون لا، إفهم أيها الغشيم ، السياحة.حيرتني الكلمة، فبدأت أسأل كل من أقابله، وجدت طالب قديم جدا قال يارفيق تعالى غدا أمام حجر الفلاسفة فهناك إجتماع عام و نحضر لإضراب لأن العلوج الأمريكان غزو بلاد الرافدين...كلمات لم أفهم لها معنى، لكن لأذهب أمام حجر الفلاسفة لعلي أعرف الإجابة،يومها أنا المتغيب الوحيد في كلية الهندسة،يممت وجهي شطر كلية الحقوق، بمركبنا الجامعي،وجدت طلبة من أعمارنا يسبون رئيس دولتنا المفدى في ذلك الوقت، أعوان البوليس خارج سور الجامعة، يقول لهم أحد الطلبة "حين تسقط المرأة تصبح مومسا و حين يسقط الرجل يصبح شرطيا"، فينظرون إليه ببلاهة و لا يردون الفعل،يومها عرفت أشياء جديدة و مصطلحات و أناس خارجين عن المألوف،الحقيقة عرفت معنى السياحة.

الحياة فضول و تمرد على الواقع، هذا جزء من نظرتي للحياة، إلى اللقاء في تدوينة جديدة