سأخبركم قصة الحياة بين المجرات :

بدأت في القرن التاسع عشر قبل البعثة الفضائية الى كوكب زحل ، كانت الارض تعاني من نقص في الموارد ، اضطر الجميع الى قتال بعضهم بحثا عن لقمة عيش ، لقمة عيش ملطخة بالدماء ، فكما تعلم لكي تعيش يجب ان تقتل شخص آخر تدب فيه الحياة ، وكأن حياته ستنتقل إليك بطريقة سحرية ، كان البشر في تلك الحقبة اسوأ ما يكونوا ، الكره منتشر في كل مكان ، لم يكن مبدأ تفهم الآخرين وارداً ، انت حينها اما العدو او الحليف ، لم يكن باليد حيلة فكما يقولون في تلك الحقبة "هذه سنة الحياة".

كان ناتادو يعيش في بلد حاكمها مستبد ، نشأ على ترديد شعارات تغني باسمه وكيف انه مخلصهم وانه انجز مالم ينجزه احد في التاريخ ، منذ نعومة اظافره علموه اقواله وشعارات طنانة لم يكن يرددها الا خوفا من العقاب ، ناتادو بطبعه كان يكره الاستماع لأحد ، حتى اهله لم يستطيعوا التحكم في تصرفاته ، كانت بدايته مع التمرد ضد مجتمعه ، ترك كل ما يفعله الآخرون ، نسي من هو ، وحاول ان يكوّن نفسه من جديد ، لطالما كان الصوت بداخله يقول له "من انا ؟" كان يسمعه ولا يعرف الاجابة ، فكل افكاره وتصرفاته كانت فقط ليتقبله المجتمع الذي يعيش فيه ، لم يكن حينها يسمح لك بالمخالفة ، فكما تعلم هم اعلم منك ومن جد جدك.

ناتادو اراد التغيير في كل شيء ، في فكره ، ونظرته ، اراد ان يرى الحياة من دون ان يخبره احد الى اين تنظر او الى ماذا تنظر ، فحب الاكتشاف كان طبعا يميزه عن الآخرين.

بالطبع لم يشاركه احد هذه النظرة ، فكما تعلم الخوف كان حينها من "سنة الحياة" ، أراد ناتادو البدء بالتغيير ، ولكنه لم يعلم كيف واين ومتى ، استمر في بحثه بين الكتب ، سمع وعوداً كثيرة من كُتّاب قالوا له افعل كذا وسترى ان التغيير قادم ، لكن الامور مازالت على حالها.

لم تكن الحياة عنده احجية يمكن حلها فبرأيه الحياة لغز لا منطق في حله ، لم يكن مهتما للوصول الى معنى نهائي.. في كل لحظة كانت تمثل الحياة له معنى جديد ، لم يستطع فهم مزاجها المتقلب ، او مفاجآتها الغريبة ، ولكنه ادرك ان الحياة شبيهة به ، بتقلباته وتناقضاته ، والعلاقة بينهما بمثابة آخذ ومعطي ، هو كان يطلب منها بضعة من الايام والسنين كي يعيشها وهي كانت تعطيه على حسب مزاجها..

لم يكن ناتادو يعيش نفس ظروف باقي رفاقه ، وربما هذا السبب قد ساهم في قدرته على التفكير بطريقة مختلفة ، وعلى المعارضة والتجرؤ على قول لا ، لان كل من حوله كان مفروضا عليهم ان يعيشوا هكذا.. وهو لم تعجبه كلمة "هكذا" ، يقول في مذكراته التي تم العثور عليها بين حطام السفينة ميناتاري :

" انزعج من كل شخص يقول لي ان أعيش الحياة كما يعيشها الآخرون ، فأنا لست هم وهم ليسوا انا ، عندما كنت مسجونا في الغرفة المظلمة في اول ايام حياتي لم يكن يمل علي احد ما يجب علي القيام به او كيف اتصرف ، وحتى عندما ادفن تحت التراب لن يمل علي احد مالذي يجب ان اقوم به ، فأجيبوني لما في السجنين انا حر ، وبينهما في فترة حريتي انا مسجون ؟"

كانت نظرة ناتادو للحياة بسيطة "اعطوني حريتي وخذوا ما تريدون" ، لم يدرك ان الامر قادم ، جاءت المرحلة التي ستغير وجه بلاده ، غيرته هو ايضا ، قلبت كل شيء رأسا على عقب ، بات يسمع كلمات لم يتخيل يوما في حياته ان احدا من شعبه سيرددها ، استمع لها وكأنها نشيد وطني .. رددها بأعلى صوت .. لأول مرة بات يشعر بالانتماء لشعبه ، لأول مرة يشعر أن ما حلم به سوف يتحقق ، لكن الامور لم تكن بتلك البساطة ..

ناتادو لم يتوقع العواقب ، كان يرسم احلاما وردية ، كان يجلس ويتخيل كيف سوف تصبح بلاده بعد تحقيق النصر ، هذه المرحلة التي سوف ترسم مصير شعب بأكمله .. أصبحت تعجبه الحياة بكل ما فيها ، فقط لأن صوته سوف يسمع ..

والى الان ناتادو ينتظر ذلك الحلم ، حلم او هدف او سمه ما تشاء ، فكل الحياة وما فيها عنده تختصرها كلمة " حرية! ".

جميع الشخصيات المذكورة في القصة خيالية وليس لها علاقة بالواقع