يوماً ما كنت محبوساً في مكان مظلم لا أرى أي شئ فقط مجرد أصوات أسمعها, المكان كان يضيق بي, بضعة سنتيمترات تفصلني عن الجدار, لم يقدم لي الطعام يوماً, رغم ذلك لم أشعر بالإرهاق والتعب من قلة الطعام فقد كنت لا أحتاج له لسبب لا أعرفه..

أستمريت على هذا الحال مدة طويلة جاهلاً سبب وجودي في ذلك المكان وماذا فعلت أو ماذا سيُفعل بي, حتى جاء يوم أشتدت الأصوات من حولي لم أكن لأتبينها كثيراً حتى أهتزت الجدران من حولي يصحبها صريخ وشئ يتحسس بدني وكأنه وحش لا يعرف من أين يبدأ وليمته, لم أراه جيداً فالمكان مازال مظلم, أشتدت يده ممسكه إياي بكل قوة تكاد تعصرني بينها ورغم محاولاتي البائسة للمقاومة في لحظاتي الأخيرة فلم أفلح..

لم أكن أعلم أن تلك الإيدي تريد مساعدتي للخروج للنور والتحرر من الظلام, حتى رأيت النور بأم عيني وحولي..وحولي!!..لا أعرف حتى الآن, فكل ما أراه عمالقة ملتفين حولي ناظرين إلي, وأصوات تتبعها أصوات تشبه ذلك الصريخ الذي سمعته عند إهتزاز الجدار, أصوات تكاد تفقدني حاسة السمع وجو يكاد يفقدني حاسة البصر, أريد العودة لذلك المكان الذي كنت محبوساً به لإنتظر فرصة أخرى للتحرر في مكان آخر, أفهم من به ويفهموني, تباً ألم أكن حبيس هذا المكان المظلم منذ دقائق!! إذا لا اختيار ولا رأي لي, ما عرفته أن هذا المكان يدعى بالحياة..

أي حياة؟ ولماذا؟ لماذا هم هنا؟ أين سيذهبون؟ أكلهم أتوا من نفس المكان المظلم الذي كنت فيه؟ الا يوجد غرباء بيننا؟ أين كنا؟ أنها الحياة.. لم أحصل على إجابة غيرها..

ألم يتبعه ألم, ولا أحد يفهمني, أبكي عندما أحتاج..أضحك لما أريد, فقط هذه لغة تواصلي معهم, فلم أكن حتى هذه اللحظة أستطيع الحديث معهم بلغتهم والتي غالباً كانت تتخللها بعض اللغات أو الأصوات التي كانت تزعجني في كثير من الأوقات و كنت أضحك ساخراً منهم فما عرفته أنهم يريدون التواصل معي بها, رغم أنها لم تكن لغة من الأساس..

تمر الأيام أفهم لغتهم شئ فشئ أستطيع التحدث مع بعض من الإتزان, أمشي..أضحك..أأكل..أشرب..أبكي, تلك هى الحياة.. أشياء أتعلمها يوم بعد يوم وشهر بعد شهر فالحياة تعلم وخطأ وصواب ناتجين عن تجارب, وعلي أن أكمل هذا التعلم داخل أماكن مخصصة له, يومي الأول كنت أبكي عندما ذهبت لأتعلم, لا أعلم هل هذا بسبب الجدران المحيطة بالمكان والأصوات المرتفعه أم خوفاً من اللاعودة, لم أكن أتبين السبب حتى كبرت وعرفت أنه سجن آخر يضيع منا هذه الحياة شئ فشئ وعلى عكس تجربتي الأولى في التعلم قبل الدخول لهذا المكان فلم تكن هناك تجربة من الأساس ولم يكن هناك نواتجها (صواب وخطأ) بل كل ماكان هناك هو الثواب والعقاب بل العقاب والعقاب ولا ثواب يذكر..وللأسف بعدما كدت أنظر للحياة بشئ من الإعجاب, قالوا لي أيضاً أن هذه حياة تدعى بالحياة التعليمية, هذه الأخيرة التي تتصارع مع الأولى في من يربح الفوز بجسدي, دعهم يتصارعون مع باقي الحيوات فمازلت أريد العودة لمكاني الأول المظلم ربما أعبر لمكان آخر منه, شئ آخر لا يدعى بالحياة

أي حياة تلك التي يتصارع بها الجميع من أجل نقيضها من أجل الموت لا من أجل الثروات فالثروات تأتي بعد الموت لتنتقل لآخرون عبر الموت أيضاً, لم أجد سبب غير هذا, لم أجد سبب يقنعني بأن أسلب من أحدهم الحياة لأعيش, فحياته لن تضاف إلى حياتي, ربما تكون حياته غير مهمة بالنسبة لي لكنها مهمة بالنسبة لآخرون, مازلت أكرر لم أجد سبب, عدا سبب كاد يقنعني بإن لولا تلك الصراعات ولولا تلك الحروب لما جئت للحياة -للعالم- للدنيا أياً مايسموه بسبب تكدس هؤلاء الناس وتكاثرهم, تباً أنا أحب الحياة فقد تغيرت نظرتي لها شئ فشئ بدأت أنسى المكان المظلم بسببها, لقد تعلمت, تعلمت الحياة لم أكن أظن أنها تتعلم وتعلم, علي أن أكره وأحب لإن هنا من يكرهني وهناك من يحبني, لكن من يحبني أكرهه ومن يكرهني أحبه..إنها الحياة , حتى هؤلاء الذين يدعون محبتنا ونحبهم عادة لا يكون حبهم خالص, ومن يكرهونا كذلك كرههم ليس ثابت ولا قائم على ثوابت, نحن نعيش في متاهه تدعى الحياة.

ندور داخل حلقة تتخللها حلقات, نولد نتزوج نلد نموت, كلمات أربع يعيشها الكثير منا ويسموها بالحياة دون جديد دون إضافة وإن تحدثت معهم سيقولون هى الحياة هى الحياة, ولا حياة لمن تنادي..

حياة تدور حول مثلث غريب أضلاعه هى (الدين-السياسة-الغرائز) ولا يحق لك بالسؤال عن المثلث إلا بأسئلة محددة تدور داخل دائرة أيضاً لن تخرج عنها ولن يخرجوا منها, أسئلة محددة ومحفوظ إجابتها لإنك ستفقد الحياة إن فكرت في إجابة غيرها, لإن هذه هى الحياة

حياة تحولت لمكان مظلم بفعل من جاءوا من تلك الأماكن المظلمة وليتها كانت تشبه تلك الأماكن, حياة حولنها من نعمة لنقمة, حياة أصبحت موت وموت أصبح حياة يسعى وراءه البعض لإجل الحياة, فهؤلاء ممن يقدمون على الإنتحار ضاقت بهم الحياة رغم إتساعها لكن ممن حولهم تسببوا في ذلك, في أن يجعلوا من موتهم حياة..

لابد أن هناك مكان آخر, لا بد من حياة أخرى..لا ليست حياة فحياة تعني موت, لابد من وجود شئ أسمى من ذلك, وحتى يكون فعلينا أن نصنع الحياة بأنفسنا ليس حياة كما نعيشها بل حياة نحبها وتحبنا, نعم هى لا تصنع لكن تُحسن لنرجع لحياتنا الأولى في مكان مظلم أو ننير حياة لمن بعدنا وإن أطفؤا ماصنعنها فلهم مالهم ويستحقون التبعات بدلاً من أن يلعنونا كما فعلنا مع من قبلنا وفعلوا هم بنا..

مادمت ترى نفسك لا تستحقها فحاول تقديمها لمن يستحقها بدلاً من لعنات تدعى بلعنات الحياة, يسألك لما أتيت بي إلى هنا وتسأله أنت لما يسأل هذه الأسئلة, رغم وضوح الجواب أمام عينيك فلم تمهد لحياة يستحقها بل أتيت به كما فعلها جدك, دون أن تفكر به, وكيف تفكر به وأنت مشغول بحياتك!!

حياة!!

كفانا حديث عن الحياة..حتى تكفينا شرورها,فالحديث يطيل ولا فائدة منه