صورة:

http://i.imgur.com/dymnvI8.png

في الصورة السابقة هناك رسمتين بيانيتين، أيهما تعتقد أنه أقرب للواقع؟ وجهات أنظارنا نحو الأمور قد تحتوي على بعض الترسبات المغلوطة. ربما نحتاج احياناً إلى اعادة النظر في بعضها خصوصاً تلك التي لها أثر مباشر على حاضرنا ومستقبلنا. من تلك الترسبات التي قد تكون مغلوطة، هي أن الخبرة تحتاج الى وظيفة كما أن الوظيفة تحتاج الى خبرة. وهذه الفكرة عبارة عن دائرة مغلقة حيث لا يمكن الوصول إليها بلا عامل خارجي يتعدى على قانونها. إذاً كيف لنا أن نحصل على خبرة أو وظيفة بشكل مشروع؟ وكيف تعدوا الآخرين على قانون هذه الدائرة ودخلوا في مسارها؟ هل هي مشكلة موجودة في الواقع؟ أم هي مجرد تصوّر في الخيال عن الواقع؟

هل المشكلة موجودة ومتفشية؟

هل هذه المشكلة متفشية بين المنظمات والشركات؟ جواب هذا السؤال من خلال بحثي لايهم بقدر أهميّة ما اذا كانت المشكلة موجودة في قناعاتنا. قناعاتنا نحو الاشياء قد تغيّر الاشياء ذاتها، ولا اعني بذلك قناعة المجتمع أكثر من قناعة الفرد.

قمت بتقسيم بعض اصحابي من أنحاء العالم الى قسمين. قسم الباحثين عن العمل، وقسم آخر للموظفين. وجهت عليهم أسئلة كا التالي:

  • هل تعتقد أن الوظيفة تحتاج الى خبرة والخبرة تحتاج الى وظيفة دائرة لاتستطيع الدخول اليها الا بعامل خارجي؟ أم هي مشكلة مسائ فهمها لدى شريحة من الناس وصعب عليهم حلها؟

  • كم المدة التي استغرقتها في البحث عن عمل؟ (أقل من شهر - شهر - أقل من سنة - سنة - أقل من سنتين - سنتين - أكثر من سنتين)

  • هل يمكنك أن تطلعني على سيرتك الذاتية؟ (نعم تفضل، لا، ليس لدي سيرة ذاتية)

  • هل حاولت سابقاً أن تتعلم كيف تكتب سيرة ذاتية؟ (سهلة ولا أظنها تحتاج الى تعلّم، نعم)

  • كم مرّة ترشحت لمقابلة العمل؟

  • ماهو مستواك التعليمي؟ (لست متعلماً، مدرسة، جامعة، دراسات عليا)

حرصت مع جميع اصحابي أن اناقشهم نقاش مباشر أكثر من عرضه بطريقة استفتاء. حتى أكون أقرب الى التصور الصحيح، لذلك لم أطرح هذا الاستفتاء في الانترنت. أستغرق هذا العمل قرابة الثمانية أشهر وكانوا المشاركين في هذا الاستفتاء اثنان وستون شخصاً تسعة وعشرون موظفاً منهم ولآخرون لازالوا يبحثون عن عمل. كانت نتيجة تحليل بيانات هذا الاستفتاء تشير الى أن أهمية وجود مشكلة الدائرة المغلقة على الواقع قليلة جداً مقابل أهمية وجودها في قناعاتنا.

قرابة الثمانون بالمئة من الذين يعتقدون بدائرة التوظيف والخبرة المغلقة استغرقوا في البحث عن عمل من سنة الى سنتين، واثناعشر بالمئة منهم موظفون حالياً. وأكثر بقليل من تسعة وثمانون بالمئة منهم تحتوي سيرهم الذاتية على اخطاء بنسب عالية بينما ثلاثة عشر منهم ليس لديه سيرة ذاتيه اصلاً.

على العكس، الذين لا يعتقدون بهذه المشكلة اثنان وتسعون بالمئة منهم استغرقوا في البحث عن عمل من شهر الى أقل من سنة وبما يقارب ثمانية وثمانون بالمئة منهم موظف بدوام كامل او جزئي ويجرون مقابلات أعمل أكثر من الذين يعتقدون بالمشكلة بنسبة أكثر من واحداً وعشرون بالمئة.

من هذا الجزء البسيط من تحليل البيانات المتلقاة من الاستفتاء، يمكنني القول أن البحث عن تواجد المشكلة في القناعات وإصلاحها أهم من البحث في تواجد المشكلة على أرض الواقع. قد تكون المشكلة موجودة عند بعض المنظمات التي توظّف على اساس المحسوبية أو الواسطة ولا تهتم للتعليم، أو الكفاءة. هذه المنظمات او الشركات لن تذهب بعيداً في المستقبل القريب وليست هي طموح الباحث عن عمل يساهم في ضمان مستقبل أفضل. إذاً قناعاتنا نحو الأشياء قد تغيّر واقعها، وقناعاتنا نحو عملية التوظيف تغيّر آلية عملها تجاهنا. هناك جزء في بعض الامور كالمرآة تعكس لنا قناعاتنا عنها.

العمل بشكل عام هو الذي يكسب الانسان الخبرة، والعمل ليس شرطاً أن يكون وظيفة. الوظيفة هي عمل بلا شك، ولكنها ليست كل شيء عن العمل أو سبيل الخبرة الوحيد. فكتابة ونشر الأبحاث هي عمل يُكسب صاحبه خبرة، التدوين، الصناعة، العمل كمستقل الى آخر تلك الامور التي ليس لها آخر. التعلّم والممارسة هما سبيلا العمل بشكل عام، فكل من لم يستطع إيجاد عمل يعود الى التعلم والممارسة اللذان هما بالاساس مبنيانِ على الشغف لن يستطيع تكوين خبرة. هكذا هي قناعات الاشخاص الأكثر فرصة في الحصول على عمل مناسب، ماهي قناعتك أنت؟

بالنسبة لأصحاب الأعمال

أصبح سؤال أولئك الذين يصنعون منتجاً أو يقدمون خدمة من المنظمات أو الشركات مهماً. لماذا يريدون توظيف الأفراد؟ وماهي الأسس التي يترتب عليها أعتماد التوظيف؟ ومن الذي يفوز بالمنافسة؟

تلك المنظمات والشركات لها في كل وظيفة تطرحها أسس وأهميات مبنية على هدف المنظمة أو الشركة. فإذا كان من أهداف الشركة تحقيق الأرباح، لابد لأي موظف في تلك الشركة أن يساعد الشركة على تحقيق هذا الهدف مع أهدافها الأخرى. مما يعني، معرفة أهداف الشركة أو المنظمة أمراً مهماً بالنسبة لطالب الوظيفة. معرفة الأهداف تساعد المتقدم على طلب الوظيفة في تطوير مهاراته، وكتابة السيرة الذاتية بشكل أفضل وتشكيل علاقات عامة مما يزيد فرصته في كسب المنافسة والحصول على الوظيفة.

تدريب الموظفين المستجدّين يكلّف الشركة أو المنظمة مالاً ووقتاً. وأكثر فرصة للتوظيف تذهب إلى شخص متدرباً ولديه خبرة عملية في المجال الذي يقدم طلبه فيه. مما يعني، كلما قل أحتياج المتقدّم للتدريب، كلما زادت فرصته في كسب المنافسة الوظيفية. فكل ما تقدمت المنظمة أو الشركة في العمل، تحتاج إلى أفراد على مستوى العمل أو الخدمة المقدمة. فعدم جاهزية الموظف، تكلّف المنظمة مالاً ووقتاً يعتبر فعلياً خسارة.

فبعد أهمية الخبرة تأتي أهميّة الوقت لدى المنظمات والشركات. تحاول المنظمات والشركات أن تحصل على موظف يستطيع تنفيذ المطلوب منه في الوقت المحدد. لذا يجب على المتقدّم بعد أن يعرف ويطوّر مهاراته في أن يعرف حساب الوقت الذي يستغرقه في العمل. هناك خبراء في مجالاتهم لازالو يخطؤون في تحديد مدة العمل. وبالنسبة للشركات والمنظمات، التأخير في إنجاز أي عمل مطلوب هو تأخير في إنجاز الأهداف. وهذا بحد ذاته خسارة فعلية. في مثال، إن كانت شركة حسوب تهدف الى رفع أرباحها في الربع الأخير من السنة بنسبة زيادة خمسة بالمئة. وعملت الشركة خطة محددة أوكلتها لبعض موظفيها. في هذه الحالة عدم التزام الموظفين في الاوقات المحددة، يكلّف الشركة خسارة مشروعها في زيادة الربح.

يقول عبدالمهيمن الآغا @aalagha - مؤسس ومدير شركة حسوب -:

“الخبرة مهمة لكنها ليست كل شيء، هناك أشخاص لديهم خبرة ويمكن أن تناقشهم لساعات لكن خبرتهم هذه لا تساوي الكثير ان كانوا غير قادرين على انجاز المطلوب بالوقت المحدد، بالجودة التي وعدوا بها ودون أعذار.”

بكلمات أخرى يعني ذلك، أنه قد يكون الأهتمام بالوقت أكثر أهميّة من الخبرة العملية بحد ذاتها، مما لايلغي أهمية الخبرة العملية. وفي نقاش آخر في حسوب I/O أتضح لي أن الشركة لا تدرّب أغلب موظفيها من الصفر. لأن في ذلك كلفة كبيرة ولكنّها تكتفي بصقل مهارات الموظف التي اكتسبها قبل التقديم من خلال تدريجه ابتداءاً من الاعمال البسيطة إلى الاعمال الأكثر حساسية. وفي الحقيقة ليست حسوب I/O وحيدة في هذا، فغالباً هذه خوارزمية تعتمد عليها الشركات والمنظمات، ماعدا شركات كبيرة تدرّب وتعلّم موظفيها من الصفر بعد توقيعهم على عقد طويل الأجل.

دائرة التوظيف والخبرة المغلقة لو كانت موجودة على الواقع، لما كانت هناك شركات ومنظمات منتجة. فبحث الشركات والمنظمات عن الخبرة بحث فعلاً حقيقي، ولكن قد يكون مفهوم الخبرة كما تراه، يراه غيرك بشكل مختلف. وربما الكثير من أصحاب الأعمال أنفسهم يرونها بشكل مختلف.

في الختام، هناك جزء في كل الأمور، يعكس لنا قناعاتنا تجاه الأمور ذاتها. قد تتغير سلبياتها إلى إيجابيات، إذا تغيرت وجهات أنظارنا عنها والعكس قد يكون صحيحا ايضاً والأمر لاينطبق على مسألة التوظيف فحسب، قد ينطبق أيضاً على أمور كثيرة أخرى. أقترح لك عزيزي القارئ أن تجري نفس الدراسة على اصدقائك الموظفون والباحثين عن العمل. وترى ما اذا كانت النتائج متقاربة.

في مقالات آخرى، سوف أشرح عملية تحقيق الهدف الوظيفي، من بداية الشغف حتى الوصول إلى الوظيفة التي يطمح لها صاحبها.

دمتم بخير