محادثة مع الشيطان .....
في لحظات التفكير العميق تأخذك بعض الخواطر الغريبة التي تشعرك بالذعر من مصير العصاة وخلودهم في النار لدرجة تجعلك تتمنى أن يغفر الله للشيطان لأنه المخلوق الوحيد الذي تراه أقل منك في مرتبة الشر حيث يظهر لك جليا بعصيانه وأخطائه ، فإذا كان هناك توبة للشيطان فإن الله سيتوب عليه ويغفر له وهنا سيزيد عندك الأمل في إمكانية دخول الجنة واجتياز العقبات الدنيوية التي تقف كعثرة في طريقك للفردوس .
نعرف من خلال عقيدتنا أن إبليس لن يدخل الجنة لأنه متكبر مغرور أبى أن يسجد لآدم لاعتقاده بأنه كمخلوق من نار يعلو على الإنسان الذي خلق من طين ، وقد أظهر بذلك جهلا كبيرا وانعدام في الرؤية لأنه ينظر إلى النار بشكل سطحي فيظن أنها أعلى من الطين رغم أنه لم يدقق في الجزيئات التي يتكون منها الطين حتى يجزم بدنو مرتبته عن النار ولكنه الحقد والغيظ الذي أخذ يأكل قلبه ما جعله يكن الحسد للإنسان ويرى أن الله فضله على المخلوقات وقد كان يتمنى أن يكون هو الأعلى مرتبة ....
لقد أخذ عقلي يلح علي كثيرا وكان لديه إصرار غريب على ضرورة كسر القيود للقيام بمحادثة خيالية مع شيطان نفسي الذي يوسوس لي بشكل دائم محاولا الهبوط بي إلى النار وهو يعلم يقينا أن الله صاحب العزة والملكوت سيعذبه في نار جهنم وأن النار مهلكة وأنه لن يحتملها ..... لكنه يصر على استكمال الطريق إلى النار ....
بداية كان يجب على أن أسأل الشيطان عن اسمه ومكانه ؟
قال في تكبر وغرور : أنا امتلك اسما نادراً يختلف عن أسمائكم أنتم بني البشر فقد كان اسمي عزازيل وكنت طاووساً عظيماً في جنة الخلد قبل خلقكم ، وأنا مخلوق من النار الذي يتشكل بكل الأشكال حيث يمكنني أن أسافر في لمح البصر إلى أبعد مكان وكذلك يستطيع أولادي أن ينتقلوا في لحظة إلى هنا وهناك دون معاناة ، أما أنتم يا بني الإنسان فإنكم تستصعبون السفر والترحال وتبذلون جهدا كبيرا في الانتقال من مكان إلى مكان وذلك لأنكم خلقتم من طين ، أنا أراكم ولكنكم لا ترونني وذلك لأنكم أقل مني ...
هل أقسمت بعزة رب العالمين على إغوائنا كبشر ... ؟
قال : نعم لقد أقسمت بعزة الله على إغوائكم أيها البشر لأنكم حمقى تذنبون ولا تشكرون الله لأنكم مخلوقات ضعيفة لا ترتقي لنا كمخلوقات نارية قوية ...
كيف تقسم بعزة الله ثم تخرج من طاعته ؟ تقول الشيء وتفعل نقيضه ثم تعتقد أنك على حق ..ألا ترى أنك أنت الأحمق ؟
ستظلون أنتم الحمقى ... أنتم لا تفهمون ... أنا أعرف أن الله الخالق له العزة والملكوت ولكن الله أمرني أن أسجد لأبيكم آدم ونحن كمخلوقات نارية أفضل منه ... فكيف نسجد لمن هو أقل منا في المرتبة ... ألا ترين النار... إنها أقوى من الطين ... نحن نمتلك كبرياء وعلو ولسنا ضعفاء مثلكم ...
أنت تعترف بأن الله هو الخالق ... وبهذا أنت على يقين بأن الله لا يخلف وعده وسيدخلكم نار جهنم وستخلدون فيها إلى قيام الساعة... فلماذا تصر على المعصية ؟
أنا لا أعصي الله بل أريد أن استكمل الطريق بأن اثبت لرب الكون أنكم بني البشر أشرار ... بل أنتم تتفوقون على الشياطين في الشر ... فإنكم تسفكون الدماء وتحقدون على أخواتكم من بني الإنسان وتسرقون ، بل وتشربون الخمر وشياطينكم أكثر خبثا ومكرا منا نحن شياطين الجن ، فالأشرار منكم يوسوسون لغيرهم ليل نهار لإلهائهم عن الصلاة وذكر الله وهم ناجحون في ذلك أكثر منا ... فقد أردت أن أعرض صوركم المشوهة أمام الله .. حتى إذا قامت الساعة تدخلون النار بأعداد لا تحصى ....
هل ترى أن عذاب الله عز وجل شيء يسير يمكنك أن تتحمل عواقبه ؟
أنتم تعتقدون بني البشر أنكم فلاسفة وأصحاب فكر ولكنكم ضعفاء تجهلون الكثير ... فأنا لن أعذب مثل عذابكم لأنكم لا ترون إلا شهواتكم ونزواتكم ، وأنتم دائما تعلقون الأخطاء على غيركم ، حيث أنكم تدعون إننا مصدر الغواية والذنوب ولكنكم إذا أمعنتم النظر ستعرفون أنكم أصحاب المسؤولية كاملة ولكنكم دائما تريدون صناعة دور الضحية والمذلة لتظهرون أنفسكم أفضل منا أمام الله .
كيف تكفر بالله العزيز الحميد ثم تذكر اسمه على لسانك ؟
أنا لم أكفر بالله بل الكفر هو الغالب في عالمكم أنتم بني البشر .... أنا بريء من كفاركم وحياتكم الملوثة ، أنا أخاف الله رب العالمين ...
لماذا تكرر نفس الكلمات التي ذكرتها بعد إغوائك للراهب المتعبد في سالف العهود ؟
... ماذا تقولين أيتها الحمقاء ... إنه سؤال ليس له معنى ...
قلت : أنسيت إنك قمت بإغواء راهبا متعبدا في صومعته يسمى برصيصا حتى جعلته يكفر بالله ، وعندما حدث الناس عن إغوائك له قال نفس حديثك الآن بأنه بريء منه وأنه يخشى الله رب العالمين....
قال الشيطان : أنا قلت إني أخاف الله لأن تلك طبيعتي التي ورثتها عن الآباء والأجداد ... فنحن مخلوقات نارية تؤمن بالله وتخشاه ... أما أنتم فإنكم دائما ما تخالفون أوامر الله وتكفرون بنعمه ثم تتحججون بنا ... إننا فقط نوسوس ببعض الكلمات البراقة وأنتم تقعون كفرائس لكلمات وهمية .. وتلك مسئوليتكم وليست مسئوليتنا ... إن هذا ناتج عن غبائكم وجهلكم وليس جهل منا .... إننا دائما متميزون ولكنكم لا تفقهون ....
لقد ادعيت الآن كما ادعيت من قبل بأنك تخشى الله ، هل يعد هذا نفي لكفرك بشكل نهائي؟
قال : نعم أنا أخشى الله وأنا لست كافر ولكن أنا أكفر ببني الإنسان ... أنا لا أعترف بهذا المخلوق الدنيء .. لكن أنا مؤمن برب هذا الكون .
كيف تكفر بمخلوق خلقه الله عز وجل ثم تدعي انك مؤمن بالله وتخشاه ؟
أنا أقول ما أؤمن به وأرى أنه الحق ... أنتم بني الإنسان أتيتم لتفسدوا الكون وقد كانت أول معصية في الأرض هي معصية أبيكم آدم عندما أكل من شجرة الخلد لظنه بأنها شجرة الخلود مما أدى إلى هبوطه في الأرض وخروجه من ملكوت الله .
وهل أكل سيدنا آدم عليه السلام من الشجرة بلا سبب أم أنك من وسوس إليه لإخراجه من الجنة لعداوته له ؟
أنتم حمقى لأنكم تعادون أنفسكم ... إن الله خلق لكم عقل فلماذا تتحججون بنا ولا تستخدموا عقولكم ... أنتم تتحملون أوزاركم كاملة لأنكم من صنعتموها ...
هل تعلم أن سيدنا آدم عليه السلام هو أول الأنبياء ؟
سكت إبليس لحظات ثم قال : لا أعرف كيف اصطفى الله الأنبياء من بني البشر ولم يصطفيهم من الجن ... إننا نمتلك قدرات فائقة لا تقارن بأي مخلوقات في هذا الكون ... ولكن الله فضلكم ورزقكم الأنبياء والرسل رغم إنني عالما متميزا وكان لي مكانة عظيمة في الجنة ...
هل تعترض على خلق الله ثم تعتقد بأنك لست كافرا ؟
قال : أيها الحمقى لا تتحدثوا عن عبادتنا وعلاقتنا بالله تعالى ... أنتم لا ترتقون لمعرفة أسرار الكون وبدايته قبل وجودكم ... أما نحن فقد خلقنا الله قبلكم فنحن الأكبر والأقدم والأعظم ... هكذا هو الكون ولكنكم لا تعلمون أسراره .... يجب أن تتوقفوا عن فلسفتكم وسفاهتكم ولا تتكلموا فيما لا تعرفون ....
هل تعرف أيها الشيطان الحقير ... لماذا أخرجك الله رب العالمين من الجنة ، وما سبب طردك من رحمته ؟
قال : أنا خرجت بالفعل من الجنة ولكن آدم أيضا خرج منها ... ولكن لا تعلمون ما الذي يمكن أن يحدث يوم القيامة ... ربما أدخل الجنة ... وأنتم جميعا تدخلون النار .... ألستم أنتم من تقولون دائما أن الله غفور رحيم ... كيف تقولون ذلك ثم تصرون أني كافر وذريتي كافرة وتحكمون أننا في النار ...
قلت : هل هذا عشم إبليس في الجنة كما يقولون ؟
قال : ماذا تعني أيتها الحمقاء ...
قلت : لا أعني شيئا أيها الأحمق ... أنا فقط أذكر نفسي بمثل نقوله عنكم ... فلتذهب إلى الجحيم ....
التعليقات