دعوني أتحدث اليوم بصفتي قارئة فقط، وأستشير الكتّاب، عن مصطلح صادفته كثيرًا في قراءاتي، لكنّه مازال مربكًا بالنسبة لي وتحيط به ضبابية، ولم أعرف ماذا يقصدون به بالضبط.

جرأة الكاتب أو ما يُعرف بالكاتب الجريء، تُرى كيف نعرف أنّ هذا الكاتب جريء؟

وحدث هذا معي حين قرأت رواية اليهودي الحالي (2009) للكاتب علي المقري التي حازت على جائزة البوكر، والأستاذة التي رشّحتها لنا قالت: على الكاتب أن يكون ذا قلمٍ جريئ، بغضّ النظر عن الموضوع الذي تناولته الرواية، إلا أنني وجدتُ شيئًا لا يعتبر جرأة أبدًا.

وجدت ألفاظًا مبتذلة وسوقية، جعلتني أكمل الرواية على مضض، وفي داخلي شعورٌ مرٌ جرّاء تلك الكلمات، ولم تكن تلك الرواية الوحيدة التي تحوي كلمات أو مشاهد لا قيمة لها في الرواية ويمكن التخلّي عنها، فهي لا تضيفُ شيئا، بل جعلتني أخجل من قراءتها، وأراها مستهجنة لا إبداعية.

لكن فيما يخصّ الأصناف الأخرى للكتب، لم يسبق أن صادفتُ كتابًا يحمل في طياته ما يجعلني أتخلى عن حروفه عمدًا، لكنني أعتقد أنّ الكاتب الحقّ هو ذلك الكاتب الذي لا ينساق وراء الأنا ليثبت كم هو مختلفٌ، وجريء يمكنه أن يخوض في كل المواضيع، ويخترق القوانين المجتمعية ويكتب عن أشياء لا تثري القارئ، بقدرِ ما تنقص من قيمة الكاتب.

تقولُ العرب: "عقول الرجال تحتَ أقلامهم"، وكذلك هو الأمر بالنسبة للكاتب، فالقلم مغرفةً لقلوب وعقول أصحابها، ويتجلى فهمهم وحكمتهم بين الأحرف والسطور، فالقلم ليس مجرّد سيالةٍ تلطّخ الورق بالحبر، وإنّما هو: "يدٌ وفمٌ…رصاصة ودمٌ…وتهمةٌ سافرة تمشي بلا أقدام!"، هكذا وصف الشاعر أحمد مطر القلم.

هل تعتقدون أنّ الكاتب الذي يحمل في يده قلمًا، من شأنه أن يبنيَ أممًا كما يهدم ويهدد أخرى، يحقّ له أن يتطرّق به إلى مواضيع تُعتبر جريئة بالنسبة للقارئ، وقد لا يتقبّلها من كاتبه المفضّل أو أي كاتبٍ آخر؟.

بصفتي قارئة أعتقد أنّه يحقّ للكاتب أن يتطرق لكل المواضيع التي تهمّ القارئ، ويكشف الستار عن المسكوتِ عنه، لكن لا يحمّل قلمه أن يكتب شيئا مبتذلًا يقلّل من قيمته ككاتب ويسيء للقلم الذي أقسم به الله في كتابه العزيز.

جرأة الكاتب في التطرق للمواضيع الأخلاقية، وتجاوزها هل هي سمةٌ ترفعه؟ أم ابتذالٌ يُسقطه؟