المؤلِّفُ صاحب العمل الأدبي الواحد، هو ذلك الكاتب الذي جاء من عالمٍ آخر، وبثّ جماله وإبداعه على أهل الأرض ثم اختفى، قد يكون مُؤَلَّفه خلاصةً لتجاربه الشخصية، يبوح فيه بمخاوفه وهواجسه، يصبّ فيه غضبه من قوانين مجتمعه،

يسكب نقَمه على والديه وربما ذكرياته التعيسة التي تلاحقه، بطريقةٍ تجعلك تأخذ العِبرة من عُمقِ آلامه، وتتجاوز أخطاءه التي وقع فيها، فيكون كتابه بمثابة مواساةٍ من نوعٍ آخر، ثم يختفي…

أين يختفي؟ ربما يعتزل الأدب، لأسبابٍ تحبس قلمه، وربما هو الآن يحاول فكّ القيود عن إبداعه، وقد ينتقل إلى العالم الآخر… 

ومن الأمثلة عن الكُتّاب أصحاب المُؤَلّف الواحد، الروائية إيميلي برونتي صاحبة رواية مرتفعات ويذرينغ، التي نُشرت سنة 1847م، ولم يُكتب لها رؤية نجاح روايتها التي صُنّفت ضمن أعمدة الأدب الانجليزي والتفّ حولها النُقّاد منذ صدورها، وقد تمّ تحويلها لفلمٍ سينمائي سنة 1956م، ربما كانت إيميلي ستُبدع لولا أنّ القدَر اختار رحيلها، وخطفها بياض الكفن من بياض الورق.

ومن الأمثلة الأخرى رواية الحصان الأسود(1877)، للكاتبة الإنجليزية آنّا سويل التي كتبتها في العقد الخامس من عمرها، وقد عكَفت عليها ستة سنوات، تناولت فيها موضوع علاج الخيول، ومأساة الحيوان الذي يتألم في صمتٍ ولا قدرة له على البوح والفضفضة، حتى يُشفى في صمت. 

أمّا الكُتّاب العرب، فهناك الروائي العراقي صموئيل شمعون وروايته " عراقي في باريس"(2005)، التي تناول فيها مرارة الحياة، منكّهةً بروح السّخرية وحسّ الدْعابة ورحلةٌ شيّقة في شوارعِ باريس. 

بعد هذه الأمثلة عن المؤلفين أصحاب الكتاب الواحد، الذين اختاروا الاعتزال أو ربما الاعتزال اختارهم، كيف ترونَ هذه الفئة من الكُتّاب؟ وهل يمكننا اعتبارهم كتابًا؟

برأيي يعدّونَ كتّابًا، كونهم هم الذين قدّموا عصارة تجاربهم ونصائحهم وما يختلجُ في صدورهم تُجاه الحياة، في حروفٍ مركّزة ودروسٍ عميقة، غيّرت مسار كتّابٍ آخرين وحتى ساهمت في تغيير مسار القارئ نفسه، وكانت له السلوى في حزنه، والرفيق في وحدته، وعالجت قضايا مجتمعية ربما أغفلها الكٌتّاب أصحاب المؤلّفات الكثيرة.

شاركوني رأيكم في هذه الظاهرة الأدبية؟