أُدرِّس بعض المواد الطبيّة في قناة على يوتيوب، وهذه العملية تتطلّب منِّي تعديلًا واضافة على الفيديوات، أو ما يُسمى بالمونتاج في عُرف العاملين في هذا المجال، ومُنتج الفيديوات لا يتخلّى عن الـ "هارد دسك" الخارجي، لأنّ الفيديوات كُثُر، ومساحة الحواسيب محدودة، فأحتفظ بذلك بمساحة حاسوبي لأمور غير هذه الفيديوات.

أفكرُّ أنّ الكاتب البارع يجب أن يستعمل نفس الطريقة، لكن مع الورق، الورقة البيضاء هي "الهارد دسك الخارجي" بالنسبة له، فيستطيع أن يضع كل أفكاره عليها، ويفرِّغ مساحات من عقله لأمور أخرى، كالتفكير بعمق، وهذا التفكير العميق ينعكس بدوره على الأفكار المدوّنة على الورقة البيضاء، فيزيدها نماءً وثراءً.

أدمغتنا تعشق توليد الأفكار، عرِّضها لعدّة مواد وسترى كم من الفِكَر قد تولّدت، لكن كيف حالها مع حفظ هذه الأفكار؟ كثير منكم سيقول أنّ حفظ الفكرة أقلّ تشويقًا من توليدها.

كذلك الحال عندما تعصف بك كثير من الأفكار وأنت تحاول العمل والتركيز، فبدلًا من أن تقاومها وتُكمل تركيزك على نار وجوى، وبدلًا من أن تركض وراء كل فكرة تراودك فيتأثّر تركيزك، دوِّن هذه الفكرة على ورقة بيضاء، وعد لها في آخر حين.

هذا الأمر لا ينحصر تأثيره في مجال الكتابة، حينما أحاول أن أجد الفرق بين ساعات دراستي المُنتجة وغير المنتجة، أرى أنّ هناك عاملًا فارقًا، وهو ورقة صغيرة أضعها بجانبي، أدوّن فيها ما يخطر على بالي من أفكار، خصوصًا أنّ عقلي يزداد خصوبة عندما أحبسه في الدراسة، هذه الورقة يكون فيها بعد أن أنتهي: : تحرّ عن جدول الكلية للأسبوع المقبل، ابحث عن اسئلة في جوجل عن الموضوع الذي تقرأه، ابحث عن ماذا سيحصل للنملة لو سقطت من مكال عال!

بهذه الطريقة ستتجنّب عرقلة تركيزك بهذه الأفكار، وتستطيع أن تبحث عنها بعد أن تنتهي، وكثير من الأفكار هي فخاخ، يريدني عقلي أن أفتح التليجرام فأجد رسالة من صديق بدلًا من معرفة جدول الكلية، يريدني أن أفتح جوجل فأغرق في نتائج البحث، والفكرة مُباحة، تريد البحث عن أسئلة، أو عن صمود لا يصدّق للنمل!