مثلما تطرد الكتابة صاحبها الى العزلة من أجل أن يبحر بأفكاره ومشاعره المكبوتة بداخله، فهي تدفعه في الأن نفسه أن يعلن حربًا مع ذاته، من لا يعرفه عن قرب أو لم يصادف كلماته يومًا يعتقد بأنه مختل عقلي كونه يظهر ككتلة صامتة، منعزل عن العالم الخارجي، ولكن الحقيقة غير ذلك، مثلمًا لابد ألا نحكم على الشخص من غطاءه، هكذا هو الكاتب لا يمكن أن تعرف ما عايشه خلال جلسة واحدة جمعتك به، فتقريبًا كل الكُتاب يجتمعون في صفة واحدة يكتبون أكثر مما يتكلمون، يخلقون من الكلمات قضية ثائرة ومعبرة.

كثيرا ما نصادف في بعض الأجناس الإبداعية كالرواية، الشعر، المسرحية في بعض المقاطع تتحدث فيها الشخصية مع ذاتها تشرح ما يدور بداخلها من معاناة، أو موقف حدث معها كأنها تشخص لنا حالاتها النفسية، فبرأيكم هل هذا التصرف يأتي تلقائيا أو هو مخطط مسبق من طرف الكاتب؟

حديث الفرد الى نفسه كان وسيلة شائعة الاستعمال في الدراما الاليزبيثية، وكان شكسبير صاحب القلم الرصين يوظف كثيرا هذا النوع خصوصا مع شخصياته المعقدة والصعبة، لكن النقد في أيامنا قد يعارضه في استعماله في الدراما الحديثة، لذلك قد ظهرت حيلة يستعين بها المؤلف بدل أن يجعل الشخص يتحدث مع نفسه يجعله يتحدث الى صاحب مخلص له، يصارحه بكل شيء فيكون في الحقيقة كأنه يخاطب نفسه لكن شرط أن يكون لهذا الصديق دوره الحيوي في القصة التمثيلية.

توظيف الكاتب لهذا النوع قد يشمل أمرين، إما يُظهر الكاتب حضوره بشكل مباشر، بمعنى كأن يقول: وأنا أكتب هذه الكلمات التي تقرؤونها تدور في مخيلتي عدد لامتناهي من الأفكار، فلما يا نفس تعاقبنني على أفعال ارتكبت غلطة...، وأما النوع الثاني يظهر ذلك على شخصية القصة التي بناها الكاتب، فيأتي حديثها مع نفسها لتعبر عن ما يدور بداخلها، لتسمح للقارئ بأن يغوص معها في مخيلتها، ليجد نفسه مندهش في تعبيرها، يريد أن يخبرها بأنكٍ "لست وحدك من مررت بهذا الشعور".

يمكن أن يكون لجوء الكاتب لهذا النوع راجع لتوضيح المعنى للقارئ وتفسير بعض الأحداث التي وقعت كأن يقول: سأشرح لكم لما جاءت ردت فعل فاطمة بهذه الهيئة؟ وما الشيء الذي دفعها للإقدام نحو هذا التصرف؟ ربما لديها الكثير من التوضيحات التي تريد إيصالها، سأترك لها المجال للتبرير ذلك، وفي بعض المرات قد يأتي الأمر عكسي، فيتعمد الكاتب لتوظيف هذا النوع عن قصد تشتيت انتباه القارئ، فعندما تكون الشخصية حائرة ولا تعلم ما تفعله بالضبظ، يتشوق القارئ ليعرف التطورات وحقيقة ما يحدث لها في النهاية.

لذلك في الغالب، الاستعانة بهذا النوع يأخذنا في منابع خفية لطبيعة الشخصية التي لا يستطيع أن يظهرها الكاتب في المحاورة العادية، وقد يكون من اللازم توظيفها لنفهم ما يجول في داخل نفسها من العوامل والأسرار.

كيف ترون هذا النوع "حديث الكاتب مع نفسه، أو الشخصية التي وظفها مع ذاتها"؟، هل تعتبرونه يتميز بعمق في الوصف أم مجرد حشو للأحداث؟ في أعمالكم الأدبية؟ وهل تقومون بالإستعانة بهذا النوع في أعمالكم الأدبية؟