مما لا شك به أنّ الأدب أحد ألوان التعبير الإنساني للعواطف والأفكار عبر الأجناس الأدبية المعروفة كالشعر والنثر، لكن أثناء الخوض في الكتابات الأدبية أيهما أقرب للاعتماد عليه هل معرفتنا بالمجال أم الاكتفاء بمشاعرنا وأحاسيسنا، وما هو أهم، أن نقدم المفيد للقارئ أو ما هو ممتع له؟ ولماذا حصل جدل كبير حول مسألة الاعتقاد بأن الأدب علما أم مجرد فن؟

إن أصل هذا الصراع القائم حصل بين الكاتب والناقد، فالأول يقدم النص من وجهة نظر الفن النابع عن إبداع ومهارة في الوصف والتعبير، أما الثاني كونه شخصا متخصص في مجال النقد فيدرس مضمون النص من زوايا نظر العلم وقواعده. وإن كان للأدب قيمة كبرى في قوة الإيحاء والدلالة، فإن بعض أنواع الأدب ككتب التاريخ الأدبية وكتب النقد والحكم والأمثال فغرضها الأول ليس هو اللذة وإثارة العواطف وإنما هو إخبار بالحقائق وأداء المعنى الذي لابد أن يكون واضحا ودقيقا لاعتماده أكثر على عنصر العقل، أما إذا نظرنا الى ما يعد أدبا كالشعر والقصص فهي تعمل على تحقيق الغرض الأول وهو إثارة العواطف، أما مراعاتها للمعاني والحقائق فهو أمر ثانوي.

لكن بعض النقاد الإنجليز قالوا إن شكسبير أفادهم في الحياة الإنسانية أكثر مما أفادتهم الفلسفة، وبراون وماثيو ارنولد افادهم عن عصر فكتوريا أكثر مما أفادهم المؤرخون، فلما يا ترى يعتبر البعض منهم الأدب علما في حين أنهم استفادوا من الأدب المسرحي بإبداع وفن المقدم لروائيين. وناقدن أخرون قالوا إن معاني في الشعر لا تقاس بصحتها من الناحية الفلسفية كعلم ولكن تقاس بمطابقتها لغرض الفن. حسنا إذا اعتبرنا أن الشعر فنا يعمل على إثارة العواطف أكثر من كونه علما يقدم لنا حقائق ومعلومات، فلما يا ترى قد نجد في شعر أبي نواس يقول أن الحياة خلقت ليتمتع الإنسان فيها بجمالها وفنونها، لكن في قصيدة ابن سينا العينية قدمت لنا معلومات كأن الإنسان كان في عالم قبل هذا العالم عالما بكل شيء، وعندما هبطت نفسه الى الأرض قد نسي ما كان يعلمه.

فإذا كان العلم لغة العقل، والأدب لغة العاطفة، والحياة تفرض أن يلطَّف العلم بالأدب، والأدب بالعلم؛ فمثلا العقل إذا جمح استخفَّ بالشعور، وجعل الحياة ثمنًا للعلم، وهو إذا مزج بشيء من الأدب مسَّ الحياة ورفَّه على الناس. لماذا قام صراع بين أفلاطون وتلاميذه أرسطو؟، كون أفلاطون كان يربط محاكاة الفن بنظرية المُثُل ووجد طريقة ما ليقيس العمل الفني، غير أن أرسطو كان يعتبر المحاكاة فن يحاكي الفعل الإنساني من مشاعر وعواطف.

وربما ما أدى الى الاعتقاد بأن الأدب فنا أكثر من كونه علما نافعا هو المشكل الواقع اليوم أن أدبنا قد فقد القيمة الحقيقة له خاليا من المعاني والحقائق القيمة، وكان عماد كله على السجع والمحسنات البديعية والانسياق وراء الشهرة، وربما ليست من وظيفة الأديب ان يعلم الحقائق وإنما ينتفع بالحقائق المعروفة ويهيج بها عواطف الناس، وكما قال الأديب الكبير أحمد أمين"الأديب الكبير هو من استطاع أن يجعلنا نشعر بالحقائق شعورا تاما ويوسع مشاعرنا نحو الحياة الإنسانية"

وماذا عنكم يا أصدقاء، هل تعتبرون مجال الأدبي علما أو فنا؟ أو هو مزيج بينهما؟ ولماذا؟