• اسم الكاتبة: لطيفة الزيات.

  • اسم الرواية: الباب المفتوح.

  • اسم دار النشر: الكرمة للنشر والتوزيع.

  • سنة النشر : 2015.

  • عدد الصفحات : 462 ص.

  • التقييم: 5/5.


هذه الرواية البديعة كانت من ضمن قراءاتي في شهر المرأة، ضمن فعاليات لنادي الكتاب، كما شاهدت الفيلم بنفس الشهر ضمن فعاليات نادي السينما، أحتفاءًا بالأدب النسائي، والروايات التي تحدثت عن المرأة وكتبت بأقلام نسائية.

في البداية، أعترف أن مثلي مثل الكثيرين في هذا، كان تعارفي على الرواية عن طريق الفيلم الشهير المقتبس عنها، وكنت وقتها لا أعلم إنه مقتبس عن رواية بديعة تحمل نفس العنوان، إلى أن عثرت عليها وعشقتها كما عشقت الفيلم، بل أن الرواية تفوقت في مكانتها عندي عن مكانة الفيلم.

فهناك تعبير أمريكي يقول: My Bible، ويفيد بأن الشيء هو المفضل لديك وينال مكانة التقديس في قلبك، وهذه الرواية تندرج تحت هذا التصنيف بالنسبة لي، فهي رواية تلعب على أوتار عقلي وقلبي، فطالما كنت ليلى.. ومازلت.


ولي قصة طريفة من الرواية.. فقد كُنت أمتلك نسخة من الطبعة الورقة القديمة منها -طبعة الستينات- عثرت عليها بالصدفة دون تخطيط عند مروري على بائع الكتب المستعملة.

لكنها فقدت مني، وظللت أبحث عنها لسنوات، في كُل مكتبة أدخلها لشراء كتاب أجدني اسأل عنها، إلى أن قامت دار الكرمة بإعادة طباعتها، وقامت صديقة عزيزة بإهداءها نسخة لي.

الملاحظ أن مجرد إمتلاك نسخة ورقية من الرواية يحرك فيك مشاعر جميلة، يبدو أن الكاتبة ألقت على صفحاتها بها سحر ما.


نعود إلى رواية «الباب المفتوح» للبديعة «د.لطيفة الزيات»، والصادرة لأول مرة عام 1960.. أحد أسباب أهمية تلك الرواية عن غيرها؛ وهي أنها أول رواية مصرية تكتبها امرأة.

حيث اختارت لطيفة الزيات أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة أن تكون أول روائية مصرية من النساء؛ لتنتج لنا بذلك واحدة من أولى الروايات التى تنصر قضايا المرأة وتفتح الباب أمامها للتناول وإلقاء الضوء والأخد والرد فيها، خاصة أن الرواية كانت فى مرحلة مبكرة من الروايات النسوية.

الرواية في الأساس تنتمي لتصنيف (رومانسي : سياسي)، تدور أحداثها خلال فترة ما قبل ثورة 1952 حتى العدوان الثلاثي 1956، فنجد أن الحدث التاريخي أستغل كخط درامي طول أحداث الرواية في الخلفية تارة ومشتبك مع الأحداث تارة أخرى، بل ويكون هو محرك الأحداث في الجزء الأخير منها.

وهي بحق رواية أنثوية الوجهة، حيث إن بطلتها والمحرك الرئيسي للأحداث فيها امرأة وكاتبتها هي أيضًا امرأة؛ لذا جاءت الرواية تنبض بمشاعر النساء وأوجاعهن في مواجهة كُل ما يدور حولهن.

حيث طرحت الكاتبة فكرة حرية المرأة في الاختيار على كافة المستويات العاطفية والفكرية والثقافية، حقها في تقرير مصيرها طالما أنها هي من سيعيشه دون غيرها.

الغريب أن بعد كُل تلك السنوات، مازلنا غارقين في نفس القضايا، نكافح ضد ضد النظرة الخاطئة للمرأة، نكافح ضد المعتقدات والتقاليد التي جعلت من الخضوع صفة للمرأة.


وسبق الرواية أنتجت في فيلم سينمائي قديم كانت بطلته فاتن حمامة وصالح سليم، لكن تبقي الرواية في الحقيقة أكثر إبداعًا والأكثر زخمًا.

ومن حسن الحظ أن شاهدت الفيلم في منتصف الشهر ضمن فعاليات لنادي السينما، ولكم هو بديع أن تشاهد فيلم القديم المفضل على شاشة سينما وسط الجمهور وتتفاعل معهم على الأحداث تضحك وتهمهم حزنًا وتشيط غضبًا مهم، وكأنك تشاهد الفيلم لأول مرة.

الفيلم ينبض بروح الرواية بدرجة مثيرة للدهشة، ربما يعود السبب لأشتراك المؤلفة في كتابة سيناريو الفيلم مع صناعه السينمائيين.

عبر الفيلم عن تبعات الخوف المعيق المطبق على الصدور، الخوف من كلام الناس، الخوف من الخروج عن الأصول والأعراف المجتمعية، الخوف من الخروج عن الخط.


وللكاتبة لقاء تلفزيوني قديم تحدثت فيه عن أجواء الكتابة والنقد بشكل عام، كما تحدثت عن الرواية (


بالعودة مرة أخري، نجد أن سطور الرواية تتحدث عن الحلم والهدف والحرية وتحقيق الذات الذي يصاحبه كفاح أمام العديد من التقاليد والأصول المغلوطة حينًا والمتعسفة حينًا آخر ونظرة المجتمع المعيقة، لتبدأ رحلة تحقيق الذات والاستقلالية المصاحبة لحرية الوطن واستقلاليته من الاحتلال.

فقد قدمت لنا الكاتبة مفهوم الحرية بصوره المختلفة؛ بأن ربطت بين حرية الفرد وحرية الوطن، بين قضية ونضال ليلى بطلة الرواية من أجل حريتها وبين قضية مصر والنضال ضد المحتل.

حيث تبدًا أحداث الرواية مع مظاهرات عام 1946، مرورًا بدور الحركة الوطنية، وشباب الفدائيين، وقيام ثورة 1952، وما تبعه من أحداث العدوان الثلاثي، وأخيرًا معركة بورسعيد، وتحطيم تمثال ديليسبس كرمز للانتصار على الاحتلال، الذي جاء بعد تأمين قناة السويس.

كما قدمت لنا الكاتبة قصة حب جميلة طاهرة، يود فيها الطرفان السمو بها وبأنفسهما، حب ترغب الكثيرات في إيجاد مثله، يكفي أن هُناك الكثيرات ممن ترغبن في سماع الجملة الشهير: «فانطلقي يا حبيبتي».

اعتمدت الكاتبة على اللغة السلسة البسيطة في أسلوب السرد والوصف، وركزت على وصف الشخصيات والأحداث والمشاعر حتى تصل لمرادها عبر إثارة فيض المشاعر، وقد نجحت في ذلك تمام النجاح.

وتمتاز الشخصيات في «الباب المفتوح» سواء الرئيسية أو الثانوية بوجه عام بالتنوع والثراء والصدق والإقناع في المواقف التي يتخذونها وفقًا لتصوير الكاتبة لفلسفتهم الخاصة تجاه الحياة، هذا فضلًا عن التوافق مع الأحداث والحركة الدرامية.

«ليلي» الشخصة الرئيسية جاء كلامها شجاع ينبض بالجراءة، صادقة العاطفة، مقبلة على الحياة، قادرة على الحب والعطاء، ثم جاءت محنتها التي حولت الدفقة، فغرقت تائهة وسط الأمواج، تبحث عن خلاصها، عن معنى لوجودها، فغرقت في نفسها، حتى أكتشفت أن النجاة في الانصهار في قضية أكبر، قضية الجموع، قضية الوطن.

عثرت ليلي على هدف أكبر، هدف أكبر من الدائرة الصغيرة الخانقة التي تطبق عليها، وما أن عثرت على هدفها وتمسكت به ودافعت عنه بالحيلة في بداية الأمر، حتى وجدت نفسها تتحرر في دائرتها الصغيرة، وتحقق هدفها الصغير مع هدفها الأكبر، لتخرج من سجن الأصول والعادات والتقاليد البالية، وتشعر بذاتها الحقيقية، وتتخلص من خوفها، وتجد الباب المفتوح.

الرواية غاية في الروعة والأمتاع.. أنصح بها الجميع، كم أسعدتني قرائتها، كم أعطتتني من حماس ودفعة قوية لإكمال مشواري...