خذوا الحكمة من أفواه الحيوانات!

لعلكم تقولون: أجُننتي! هل للحيوانات ألسُن؟! نعم لها يا أصدقاء، وعلينا أن نصغي لها جيدًا حين تنطق بالحكمة والموعظة الحسنة.. الحيوانات لا تتكلم، وهذا صحيح، وإنما في الحضارات القديمة والحكايات الشعبية انطقها الأدباء والحكماء والحكائين.

حيث يلعب الحيوان واستنطاقه دورًا كبيرًا فى الحكايات الشعبية، يضاهي دور البطل الشعبي في هذه الحكايات؛ لبث غايات أخلاقية ودروس اجتماعية، وأحيانًا لتوجيه كلمات للساسة والحكام بطريقة غير مباشرة خوفًا من بطشهم، كأحد أشكال الالتفاف على الرقابة.

ومن أشهر الكتب التى تناولت حكي على لسان الحيوانات لمجموعة من القيم والأخلاق والأساطير، بطريقة خلطت الحكاية بالسياسة، وهو كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع.

ومؤخرًا حصلت على نسختي من الكتاب التراثي، من تدقيق وضبط د.طه حسين، وصفحاته مزينة بأطار جميل، وبثمن زهيد جدًا (13.5ج أي أقل من 1$)، هذا الكتاب الذي كان السبب في شوي صاحبه حيّ.

فعندما علم أبي جعفر المنصور، المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، أن ظاهر الكتاب الأخلاق العامة وتهذيبها، أما باطنه أخلاق الملوك وسياساتهم مع الرعية، غضب وتيقن أنه دعوة لمعارضه حكمه، فسلط على ابن المقفع والي البصرة سفيان بن معاوية، الذي استقدمه لمحاكمته، بحجة الزندقة ومعارضه الدولة العباسية.

فلما حضر أمر الوالي باحضار قدر شواء أي تنور أشعلت فيه النيران، ووثق ابن المقفع بالحبال، ثم انهالت عليه السيوف تقطع فى لحم جسده، ويلقى بها فى النار أمام ناظريه، حتى لفظ صاحبنا أنفاسه.

وهكذا دفع ابن المقفع حياته ثمنًا لهذا الكتاب، الذي يعد عالمة فارقة في تاريخ الأدب العربي، وجوهرة ثمينة من جواهره..