لم أهتم كثيرًا لشخصية المترجم إلا من خلال جودة الترجمة التي يضعها أمامي، ولم أر أنني أحتاج إلى أكثر من هذا، فالمترجم مهمته نقل النص من لغة إلى أخرى أليس كذلك؟ ولكن مع هذه النسخة من الكتاب، من ترجمة زوينة آل تويه، ومقدمتها التي تعطي إنطباعًا عن نوعية الترجمة التي ستنقلها، تذكرت أن للمترجم دور كبير، فهو ينقل القصة حسب فهمه هو لفهم الكاتب، لذا عند قراءة كتاب ما مترجم فأنا أحصل على ما يريد توصيله الكاتب من عقلية المترجم، لذا فالآن أفهم الناس الذين يفضلون قراءة الكتب الأصلية، ففهم المترجم قد يختلف عن فهمك للأصل، وهو بشكل أو بآخر يجعلك تنحاز في الحكم، ولكن بالنسبة لي فقراءة الترجمة لكتاب ما أفضل من قراءة الأصل، فهذه الترجمة محملة بخبرات إضافية بالإضافة لخبرات الكاتب الأصلي الذي حاول إيصالها، وكتبها شخص أعاد قراءة الرواية عشرات المرات أكثر مما قد تفعل أنت، لذلك هو ادرى بها منك ولديه قدرة أفضل على إيصال المعنى لك من الكاتب نفسه، لذا أنا على إستعداد لخوض هذه التجربة لأعيش تجربتين في نفس الوقت.

آه يا بارتلبي، كم أكرهك حتى النخاع، قصة بارتلبي لم أستطع أن أذرف عليها دمعة واحدة، لأنها سببت لي الحزن والغضب، ليس الغضب له بل الغضب عليه، وهو ما لا يجعلني أذرف الدموع أبدًا،بارتلبي هو نسخة مكبرة جدًا ومغالى في تقديرها من الإكتئاب واليأس، فأنا اشك في إمكانية وجود أمثال بارتبلي على هذه الأرض، وأتفهم رؤية المترجمة له في كل مكان ويطاردها في كل بلد، فهذا لزيادة اهتمامها بهذه الشخصية، فتسقطها حتى على أبسط الأوصاف المشتركة بينه وبين الأشخاص العاديين، فشخصية العامل المجد التي يظهر بها بارتبلي في البداية يمكن اسقاطها على الكثير من الناس وتوقع أنهم يعانون من نفس ما يعاني منه بارتبلي، وكثرة الرفض المتكرر مثل بعض المراهقين الساعين للبحث عن ذاتهم الخاصة -أود أن أنوه على الخرافة التي تدور حول مشاكل المراهقة، هي مجرد خرافة-، والكآبة واليأس اللتان يظهر بهما بارتبلي من رفضه للأكل حتى، والتطفل الفظيع الذي لديه مما يشبه بالطفيليات التي نقابلها في حياتنا ويجب علينا الإبتعاد عنهم حتى لا يضرونا، ففي حالة رجل طيب ومتدين مثلك ربما ترى أنه لا يمكنك الإستغناء عن انسان يعيش على حسك، ولكن أخبرك أن تتركه فورًا قبل أن تعاني، أتركه لتعيش، كل المظاهر السابقة تتضح عند ذكر المؤلف للقضية الأخيرة، فبارتبلي انسان بائس كئيب يعاني من مشاكل تضاعفت بسبب وجوده في مركز الرسائل الميتة، وبعد طرده منه ظل يبحث عن هدف لحياته والذي وجده عند رجل طيب يعمل لديه ليل نهار، وتطفله المبالغ فيه، ثم بعد ذلك لم يجد بارتبلي هدفًا لحياته فقرر التوقف فجأة معتمدًا على هذا الرجل، ثم بعد أن تركه هذا الرجل شعر بارتبلي أنه قد تمت خيانته وأعمته كآباته وبؤسه عن رؤية الحقيقة، ليتعفن في النهاية في السجن.

إذا تعلمت شيئًا من هذه القصة، فهو ألا نضيف على بؤس الناس أكثر مما يعانونه، وأن تبتعد عن الطفيليات.

تم، يبدو أن حسوب ترفض رفضًا قاطعًا نشر هذا الموضوع، أعتذر يا يونس على أن السيل توقف برهة عند إقتراحك.