[ كنت قد قرأت هذا الكتاب لأول مرة منذ مدة طويلة تقريبا و قبل قراءته الأولى حاولت أن أعزل ذاتي عنه - كعربية سوف ترى رأي كاتب ياباني بمجتمعها - و أتناوله بوضوعية تامة .. كشخص ينتقد نقد بناء هادف .. السعي ورائه هو التحسين ثم التحسين ثم التحسين .. و لا شيء غيره و منذ ثلاثة أيام أعدت قراءته لإيماني أن قراءة واحدة لأي كتاب لا تكفي بل يجب التكرار من أجل أن تترسخ الأفكار ]

كتاب " العرب ، وجهة نظر يابانية " يتناول خلاصة ما إكتشفه الكاتب الياباني نوبواكي نوتوهارا بعد 40 سنة من دراسة اللغة العربية و الشخصية العربية فقد عاش مدة بمصر و سوريا .. لم تقتصر فيها حياته على المدينة فقط فقد زار الريف و البادية أيضا ..

هذا الكتاب بالتحديد واحد من الكتب المفضلة لدي ، و أنصح به كل من له رغبة ولو بسيطة في معرفة المشاكل التي نتخبط فيها للخروج بحلول مناسبة فالتغيير يبدأ على مستوى الأفراد قبل الجماعات

لو كان بوسعي لإقتبست كل جمل الكتاب .. لكن هذه بعض من النقاط التي وقفت عندها طويلا .. و دونتها بخط يدي على ورقة أحتفظ بها معلقة أمام مكتبي :

-كان علينا أن نعي قيمة النقد الذاتي جيدا قبل كل شيء و دون إنجاز النقد الذاتي بقوة لا نستطيع أن نجد الطريق لتصحيح الأخطاء

-العرب عموما ينتظرون من اليابانيين عداء عميق للولايات المتحدة الامريكية لأنها دمرت المدن اليابانية و لكن طرح المسألة على هذا النحو لا يؤدي إلى شيء ... نحن نعرف دورنا بصورة صحيحة ... أما المشاعر وحدها فإنها مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلا

تناول الكاتب جوانب عديدة : السياسة ، المدرسة ، الأسرة ، العلاقات الإجتماعية .. و قد أظهر بالفعل النقاط التي تعرقل تطور العالم العربي ..

سافرت للبلدان العربية... و عرفت عن قرب كيف يضحي المجتمع بالافراد الموهوبين

لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم ؟ لماذا لا ينتقد العرب أخطائهم ؟ لماذا يكرر العرب الأخطاء نفسها ؟ ... فلكل شيء وقت ، و لكن السؤال هو كم يحتاج العرب من وقت لكي يستفيدوا من تجاربهم و يصححوا أخطائهم و يضعوا أنفسهم على الطريق السليم ؟

في التعليم أظهر الكاتب إندهاشه من إعتماد الضرب وسيلة للعقاب في مدارسنا و كيف أنه ينتج جيلا مشوها ..

مرة كنت أزور مدرسة إبتدائية عربية ... مرت خمس دقائق و كأن المدرسة مكان للعبادة أو التأمل ، فجأة تفجرت أصوات أطفال يبكون و يصرخون و يتوسلون المعلمين .. ما زال الضرب أسلوبا معتمدا في أغلب المدارس العربية ...

واحد من المواقف التي توقفت عندها طويلا لأن نوبة من الضحك الهستيري إنتابتني و أنا أقول في نفسي يا الهي لا يمكن أن نصل الى هذه المرحلة حقا !! ...

مرة كان باحث ياباني يتقن العربية اسمه "أكيهيرو تاكانو" كان يتمشى على غير هدى في عاصمة عربية و دون أن يدري مر أمام بيت أحد المسؤولين و ذلك الباحث يبدو وجهه كأنه يبتسم أو يضحك .. فجأة تقدم منه حارس ذلك المبنى و صفعه على وجهه بحجة أنه يضحك عليه .. توجه إلى السفارة اليابانية و قدم تقريرا بالحادثة غير أن المسؤول قال له : أنت محظوظ لأنه إكتفى بصفعك !

و هذا أيضا :

على أي حال لا يجوز لأحد أن ينتقد حتى القريب المليون لأي مسؤول عربي

في السياسة .. و ما أدراك ما السياسة ! تكلم عنها نوبواكي بإسهاب و أسلوب الدهشة واضح على كتاباته

...ولكن الحاكم في البلدان العربية يبقى حاكما مدى الحياة سواء كان ملكا أو سلطانا أو أمير أو رئيس دولة إلا إذا اغتيل أو حصل إنقلاب مسلح ضده ...على أي حال نحن لا نفهم هذا في اليابان ...

الحاكم العربي يخاطب الشعب بكلمة يا أبنائي و بناتي ، عندنا نعتبر هذه الكلمة إهانة بالغة إذا استعملها مسؤول مهما كان كبيرا ... أنت حر في بيتك لكن خارج البيت نحن لا نسمح لك !

برغم الإنتقادات الواقعية و الموضوعية التي وجهها الكاتب نوبواكي نوتوهارا للمجتمع العربي غير أنه أظهرها بإحترام بالغ - كعادة اليابانيين - و بأسلوب يظهر جليا حبه لتحسين الأوضاع فيكفي أنه قدم في دراسة اللغة العربية 40 سنة من عمره .. فقد تكلم عن القضية الفلسطينية ، الرجل العربي ، الكرم ، الحياة في البدو و في خاتمته طرح سؤال مهما

ماذا يفكر العرب أن يفعلوا في المستقبل ؟

هل قرأت هذا الكتاب قبلا و ما هو رأيك به ؟ و إذا كنت لم تقرأه هل تنوي ضمه لمجموعتك قريبا ؟