( 1 )

منذ سنوات طويلة ، وجدت نفسي أمام أحد الروايات التي كتبها أديب عالمي مصري معاصر ، وطبعت منها 6456 طبعة ، وغزت الأسواق ، وحلّق كاتبها في كل بلاد العالم تقريباً لـ ( مناقشة الرواية )..

قمت بشراء الرواية - وكانت غالية جداً بمعيار ذلك الوقت ، حتى قبل أن تنهار العملة في مصر - .. حضّرت كوب الشاي الساخن .. جلست على الكرسي المخصص للقراءة في غرفتي ، وشرعت في قراءتها ..

بشكل أو بآخر ، أصنّف نفسي أنني قارئ متواضع .. أحب القراءة فعلاً واكتساب الاساليب والأفكار ، وأزعم أنني قرأت عدداً لا بأس به من الكتب الذي يجعلني قادراً على تصنيف بعضها تصنيفاً جيداً ..

فوجئت أنني أمام رواية اباحية كاملة ، تنطبق عليها كافة جوانب الأدب الإباحي .. ينم أن كاتب الرواية - الشهير - كان يكتبها وهو في حالة الذروة .. وأن لديه مشاكل حقيقيـة في رؤيته لمفهوم الحياة والدراما والإنسـان ، وأن الحياة بالنسبة له هي الجنس .. وما غير ذلك مجرد هامش ..

=======

( 2 )

هذه الرواية التي طبعت منها 54554 طبعة ، ونالت شهرة فائقة .. كانت رواية جنسية بالمعنى الصريح للكلمة .. مستوى الإفادة فيها هو نفس مستوى الإفادة الذي تحصل عليه من موقع إباحي ردئ يملأ جهازك بالفيروسات ..

أفهم جيداً الفرق بين الإغراء ، والإيروتيكـا ، والبورن :

 الإغراء يكون لمحات داخل الرواية من وراء وراء .. والإيروتيكا هي إشارات عامة إباحيـة متضمنة في الرواية في بعض المواضع داخل اطار سياق درامي عام .. والبورن هو الإباحية الفاضحة وهي أحط أنواع الأدب ، الذي لا يعتبر أدباً في النهاية ..

لكن أن تكون كل صفحتين بها بها موقفاً إباحياً .. وكل أبطال الرواية - بلا استثناء - لا يفعلون شيئاً سوى الجنس أو التفكير فيه .. الكبير والصغير والمرأة وحارس العقار والسائرون في الشارع .. حتى لربما تبدأ بالشعور بالشك في غلاف الكتاب نفسه بأنه ربما يحمل نفس الحالة ..

وفي النهاية ، تنال هذه الرواية شهرة عظيمة ، بإعتبار أن كاتبها مشهور ، وتحصد الجوائز وتقام لها ( صالونات أدبية ) لمناقشتها .. وأنه طالما ( يكتب ) ، فهو حتماً البحر في أحشائه الدرّ كامنُ .. وان العيب في القارئ ( الأهبل ) الذي لا يفهم ، وليس الكاتب العبقري ؟

وقتئذ - وكانت أول رواية أقرأها لهذا الكاتب - مع هذه الصدمة من الدهشة والقرف .. اعتبرت أن هذه ( الحالة ) خاصة به .. وأن لديه ( مشاكل ) حقيقية في الحياة جعلته يكتب بهذه الطريقة ، وأنها ليست سمة عامة في الرواية العربية الحديثة ..

========

( 3 )

بمرور الوقت ، مع قرائتي لأدباء شباب آخرين ، بدأت أشعر أن هناك شيء ما خطأ ..

الإباحية في الرواية العربية - أو قل : اشهر الروايات العربية مؤخراً - ليست توظيفاً ، بل تعتبر أساس الرواية .. عشرات الروايات تستخدم هذا الخط بغزارة مدهشة ، كأن هدف الكاتب أن يشاركك أمراضه ، وخيالاته الجنسية .. وليس سياقاً قصصياً ..

نعم .. كل الكتاب العمالقة تقريباً إستخدموا مسحة جنسية في أعمالهم ، بدءً من دستويفسكي ، وليس انتهاءً بماركيز ودان براون .. كلها سياقات نابعة من إطار القصة ، وفي سياق محدود يعرّفك نوعية كل شخصية ..

حتى الشعراء العرب قديماً ، والكتّاب .. كان لديهم كتباً وأشعاراً تحمل قدراً كبيراً من الجرأة في الوصف ، لكن في إطار إجمالي من الدراما والحياة ..

لكن ان تكون الرواية مؤلّفة من 400 ورقة ، 350 ورقة منها في الإباحية .. والخمسين الباقية تمهيد لهذه المواقف الإباحية .. ثم يكون مجمل القصة مملاً ، وتحصل على مليون جائزة في النهاية ، فهذا أمر عجيب فعلاً ولا يُصدّق ، ولم أفهمه حتى الآن..

=======

  • هل لاحظت هذه ( الحالة ) أنت أيضاً ، ام انها ملاحظة شخصية خاصة بي فقط ؟

  • هل تعتبرها حالة عادية ، وفق سياق الادب الروائي العالمي ؟

  • هل نحن في عصر بزوغ الأدب الإباحي ، بدليل الملايين التي حققتها رواية ( Fifty shades of grey ) الرديئة ؟

  • هل تستحق هذه النوعية من الروايات أن تُقطع الأشجار من اجلها ، لتتحوّل الى اوراق ، يُستهلك عليها الحبر ، ليقرأها الناس ؟

أم أنني أنا الذي أقرأ هذه الروايات بعقلية محافظة ؟

=====

ملحوظة :

  • لم أذكر أسماء وعناوين محددة لأن الهدف ليس نقاش ( رواية ) أو أعمال كاتب بعينه .. انما نقاش حالة عامة..

  • طبعاً ليس كل الروائيين العرب على هذا النهج .. أتحدث عن ( الظاهرة ) التي تحدث في سوق الرواية العربية حالياً ..