لاحظت شيئًا ولا أعلم هل هو أمر حقيقي أم أن ذلك تصوري الخاص ألا وهو انتشار الأدب الروسي وترجماته بكثرة في سوق الأدب العربي، ولا أقصد بذلك وجود عددًا كبيرًا من النسخ المترجمة من الروسية إلى العربية لكن أعني أن هناك الكثير من القراء العرب الذين يحبون القراءة للأدباء الروس وعلى رأسهم تولستوي ودوستيوفيسكي وشيخوف وبوشكين وبلاتونوف، ولا تكاد تخلو مكتبة لبيع الكتب من جانب كامل لبيع الروايات الروسية المترجمة للعربية مثل: رواية الحرب والسلام أو الجريمة والعقاب وغيرهم، ولم يتوقف الأمر على القراءة بل امتد للتأثير على الفنون والأعمال السينمائية مثل عدة أعمال تم اقتباسها من رواية الإخوة كرامازوف لديستويفسكي على سبيل المثال، حتى أنه هناك الكثير من الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي تقوم بنشر اقتباسات من الأدب الروسي وأقوال الأدباء الروس بشكل يومي.
لماذا الأدب الروسي هو الأدب الأكثر انتشارًا في العالم العربي؟
لأن الأدب الروسي مميز بطبعه، ويعتمد عليه أدباء الغرب أيضاً، نجح الروس في هذا الفن مثل تولستوي وديستويفسكي، كما نجح الأمريكان في علم النفس في العصر الحديث.
كثرة وجود الترجمات تشهد لهم ببراعتهم، كما كانت إذاعة حفلات أم كلثوم ببلاد الغرب تشهد لها ببراعتها.
من الممكن أن أسرد لكِ كثير من الأسباب ببحث صغير، لكنني هنا سأنتهج منهج مختلف، وهو الاعتماد على آراء الخبراء، كبار الأدباء والعلماء ومن يتذوق الأدب ويبحثه يجمعون أن الأدب الروسي مميز عن باقي الآداب:
هل لأنه يبحث مواضيع عالمية مثل أدب شكسبير الذي يصلح لكل مكان وزمان..
أم لأنه يضع عدسة مكبرة على دقائق الحياة..
أم لأنك عندما تقرأينه تشعرين بالأشخاص والأحداث حولك وتشمين الروائح وتبصرين الألوان..
هذا كله جائز..
لكن هل يجوز لنا برأيك أن نحكم على آراء أهل الاختصاص أنها واهية، وأن آرائنا التي ترى لا فرق بين الأدب الروسي والعربي هي آراء أدق؟
كنت أحاول معرفة سبب التميز وليس نفيه.
نعم هذه أسباب جيدة للغاية لكن هناك أدباء عرب وأجانب تتميز كتاباتهم بنفس الميزات أو الصفات أيضًا.
أعتقد أن ما يميز الأدب الجيد هو أن يبرز حقيقة عالمية متفق عليها كالمشاعر الإنسانية والرغبات الدفينة التي لا يجهر بها الناس أمام المجتمع، ومن بعدها وضع هذه الأفكار في إطار أنيق سلس ملائم دون زخرفة زائدة ولا ملل ولا أحداث محشورة عنوة..
وميزة أخرى تتوفر في الأدب الجيد برأيي هو كشف عورات الثقافة السائدة، عن طريق توعية المجتمع من خلال الرواية بالأخطاء والتحيزات التي يقعوا فيها..
ولو قلنا أن هناك أدب عربي يتميز بذلك فربما يكون هذا صحيح، لكن لا أظنه أنه يفعل ذلك بنفس كثافة الأدب الأجنبي في الرواية الواحدة، كما أن الأدب العربي يميل للنقل وليس التجديد..
بصراحة أشعر في كثير من الأحيان أن الامر مجرد بحث عن الوجاهة فقط، فحين يقتبس الشخص من كتاب لدوستيوفيسكي مثلا يحاول أن يرسم لنفسه صورة الشخص المثقف الذي لم يعد يكتفي بالأدب العربي فانتقل للبحث عنه في الخارج، ولكن عموما فالأدب الروسي عميق فعلا ومن يقرأه بعمق غالبا يقدر قيمته
لأنه نطق بما نعجز عنه برأيي، هل رأيتي سابقاً كيف نجح أحمد خالد توفيق في جمع جمهور القراء الشباب حوله ؟ فقط كان يعرف كيف ينقل المعاناة وصورة الواقع ومعارك الإنسان والمشاعر المتضاربة وبنفس الطريقة يعمل الأدب الروسي وأظن سيكون اروع لو أن أحدنا قرأه بلغته فأنا مقتنع أن الترجمة غالباً ما تخل من موازين الابداع في النص الأصلي
وما هذا الذي عجزنا عنه، أتقصد المعنى أم الأسلوب أم ماذا؟ وألا يوجد من أدباء العرب من يفعل ذلك؟ أنت بنفسك ذكرت د. أحمد خالد توفيق _رحمه الله_ على سبيل المثال.
وأظن سيكون اروع لو أن أحدنا قرأه بلغته فأنا مقتنع أن الترجمة غالباً ما تخل من موازين الابداع في النص الأصلي
كنت تحدثت في مساهمة سابقة عن هذا الأمر وكيف أن مترجمة تعلمت الروسية خصيصًا لقراءة تلك الأعمال بلغتها الأصلية.
التعليقات