لعل أغلبنا صادف إعلانًا اجتماعيًا يظهر فيه طفل يبكي، مع عبارة من نوع: "إذا لم تتبرع الآن، فطفل آخر قد لا يجد ما يأكله غدًا." العبارة مؤثرة، والصورة تصيبك في القلب. لكن أنا لست هنا لأهاجم هذه الحملات.. بل لأدافع عن الحقيقية منها، من زاوية قلّ من يتحدث عنها.
في كتاب "المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام"، يصف الكاتب هذا النوع بمغالطة "النداء إلى العاطفة"، وهي استخدام مشاعر مثل الخوف أو الذنب أو الشفقة لإقناع الناس، بدل تقديم حجة واضحة أو معلومة دقيقة. خاصة في القضايا الإنسانية الكبرى.. مثل ما يحدث في غزة. نرى مقاطع مؤلمة، وغالبًا تكون حقيقية تمامًا (كان الله في عونهم) تُظهر أطفالًا ومدنيين يواجهون أوضاعا لا يمكن تخيّلها. هذه المشاهد تخرج من القلب وتصل إليه.
لكن المشكلة تبدأ عندما يتسلل المحتالون وسط هذا التيار الصادق.. أولئك الذين لا يرون في ترند إنساني إلا فرصة لاصطياد الجيوب. شخصيًا، رأيت أناسًا كثيرين قرروا التبرع ثم اكتشفوا لاحقًا أن الحساب يعود لجهة محتالة. وهنا تبدأ المشكلة الأكبر: الخذلان لا يضرّ المتبرع وحده.. بل ينعكس على المحتاج الحقيقي.. كثيرون توقفوا عن التبرع، ليس لأنهم قساة، بل لأنهم لم يعودوا يثقون. والنتيجة؟ من يستحق فعلاً المساعدة، لا تصله. ومن يعمل بشفافية وصدق، توجه إليه أسهم الشك والمهاجمة من مخدوع سابق من محتال ما.
لعلّ تحريك القلوب ضرورة للوصول إلى الجيوب، وأن التأثر بالصور والكلمات هو جزء من انسياتنا، بل كثيرا ما توقظ قلوبا غافلة أو ناسية.. لكن هناك فرقا بين العاطفة التي يؤيدها التفكير ( مثلما يحدث في غزة) وبين العاطفة التي تريد زيارة جيبك قبل أن تنمحك أي فرصة للرؤية أو التفكير..
التعليقات