ليست “موسم الهجرة إلى الشمال” مجرد رواية، بل مفترق روائي تنكشف فيه أعطاب الذات العربية وهي تحاول إعادة تعريف نفسها بين مطرقة الإرث وسندان الآخر.

هنا لا نقرأ نصًا حكائيًا تقليديًا، بل نلج متاهة سردية مشبعة بالرموز، حيث يتقمص الجسدُ دور المرآة، ويصير العبور من الجنوب إلى الشمال فعلاً رمزيًا محمّلًا بالرفض، بالتوق، وبالخذلان.

إنها رواية لا تُقرأ مرة واحدة… بل تُستفزّ كلّما حاولت فهمها.

️ قراءة تحليلية:

بطل الطيب صالح، “مصطفى سعيد”، ليس شخصًا بقدر ما هو استعارة مكثفة لحالة حضارية مأزومة. هو رجل سوداني بتعليم غربي، يعيش تناقضات الهوية في أوجها: منبهر بالغرب، ناقم عليه، مهووس بالتفوق عليه، ثم مسكون بالدمار الذاتي.

العلاقات النسائية في الرواية، وإن بدت شبقية، إلا أنها تعبّر عن صراع استعاري، حيث يُمارس البطل الحب كما لو كان يغزو، وكأن الجسد الأنثوي للغرب هو ساحة لاسترداد الكرامة المسلوبة.

وبينما يتوارى مصطفى سعيد في “القرية”، نكتشف أن السرد يُبنى على التناقض:

بين الماء والنار، بين الرحيل والعودة، بين الشرق المندهش والغرب المتغطرس.

والمفارقة أن الراوي (الذي لا يُسمى) يصبح هو أيضًا مصطفى سعيدًا آخر…

وكأن الرواية تقول لنا: نحن كلنا هذا الممزق، نحن كلنا أبناء هذا الشتات.

🧭 خاتمة:

حين ننهي “موسم الهجرة إلى الشمال”، لا نغلق رواية بقدر ما نفتح ملفًا حضاريًا طويلًا…

سؤال الهوية، السلطة، التبعية، والذات: كلها تتسلل إلينا من بين السطور.

فهل كان مصطفى سعيد ضحية؟ أم جلادًا؟

أم مرآةً لنا جميعًا؟

🖋️ حقوق النشر:

© [بوغزال هالة] – جميع الحقوق محفوظة – 2025

لا يجوز نسخ هذا النص أو إعادة نشره دون إذن أو ذكر المصدر.

📍 نُشر أولًا على: حسوب I/O