يعتقد البعض أن أول من عرف الفن هم فلاسفة الغرب، نعم.. حتى الفلاسفة نفسهم مصدومون من هذا الزعم الجاهل بأبسط أبجديات التاريخ، وكأن العرب كانوا يعيشون حياة خالية من الجمال والتعبير الفني وكانوا منشغلين فقط في صناعة القوافي وتفسير الأحلام.

لنعد قليلاً إلى معاجمنا العربية القديمة، مثل لسان العرب لابن منظور، الذي أتمّ عمله قبل أن يولد هيجل بأربعة قرون. نجد أن "فن" تعني ببساطة الأنواع أو الضروب، وقد استُخدمت للإشارة إلى التنوع والجمال، من "أفنان النبات" إلى التعبير الإبداعي والتي لغويا لمن له فهم بسيط بلغته العربية: السينما، التثميل، الرسم، وكل نوع من الفنون اليوم يخطر ببالك يندرج مضمون معناه تحت تأصيل هذا التعريف)

ولكن، يبدو أن البعض لا يقتنع إلا إذا جاءهم التعريف مغلّفًا بعبارات معقدة مثل "الفن هو الحقيقة التي تظهر من خلال التجربة الذاتية المطلقة." طبعًا، لأنها تبدو أكثر "عصرية" من "الأنواع أو الضروب"!

في الواقع، الفن في الإسلام تجاوز هذه التعريفات النظرية منذ البداية، قبل أقدم معجم عربي حتى، وأصبح أسلوب حياة، من زخارف القصور والمساجد إلى الموسيقى والشعر والخط العربي كما في كتاب "الفن الإسلامي: تاريخ وخصائص" أو كتاب "فن الخط العربي" واصفين تاريخ الفن في الاسلام قبل أن يُفطَم فلاسفة الغرب عن الرضاعة.. فكان المسلمون يترجمون الإبداع إلى واقع ملموس يُدهش كل من يراه بينما كان الإغريق يجلسون ليتجادلوا حول تعريف الجمال.. ونجد بعد هذا من يصر على أن الفن "الحقيقي" ولد في أحضان الفلاسفة. عجيب! وكأن العمارة الأندلسية، والنقوش السلجوقية، والموسيقى الأندلسية كلها مجرد "هوايات جانبية" لا تنتمي للفن!

ليأتي أحدهم اليوم بكل بجاحة وجهل بتاريخ أمته وتقديس للغرب قائلا

(مَن عرّف الفن أول مرة؟ علماء اللغة نقلوا فقط تعاريف الفلاسفة الغربيين, لم يكن للعرب مفهوم للفن كما نعرفه اليوم إلا على يد امثال هيجل أو كانط)

نعم لا تستغربوا، هؤلاء يعتقدون أن السينما تصنيف خلقه الفلاسفة ولا يندرج تحت تعريف كلمة فن لغويا في المعاجم القديمة.

بل حتى قبل هاته المعاجم، لا يعلمون أن العرب أصلا كانوا يعرفون المعنى ويمارسونه قبل أن يخطر ببال أحدهم تعريفه. فهل نحن بحاجة إلى إعادة اكتشاف معاجمنا وتاريخنا؟!

أخبروني الآن، كيف نتصرف مع أمثال هؤلاء الجهال بتاريخ أمتهم من عباد الفلاسفة الغربيين؟