الالتزام الادبي و الالتزام في الفن وعن ايمان الشعراء.

قلم : يونس بن عمارة


" الفنان لا يريد تشذيب شجرة الحنظل ، انما يريد ان يرزع الكرز ."


اؤمن اولا ان الشعر انما خُلق ضد الواقع ، ضد القوانين ، وضد (ضد القوانين ) ، هو شيء يحتوي نقيضه ، لذلك لا معنى للمعركة بين جابر عصفور في زمن الرواية وبين ادونيس في زمن الشعر . لان الفنان والكاتب حتى ان لم يكتب بيتا واحدا هو شاعر .

ولنقلها صريحا : زمننا ليس زمن رواية . ولا زمن شعر .. زمننا زمن الفن – الروح الشعري – الروح الادبي . زمننا لا مشكلة له في السياسة ولا الجنس ولا الدين ، بل مشكلته هو الضجر والملل كلنا شهريار .. ولا شهرزاد لنا !

لهذا لا تحتر ان رايت ان العظيم غوغول سمى روايته النفوس الميتة قصيدة في مدح بهاء روسيا الكبرى ، وان الام فرتر لغوته هي قصيدة وليست رواية رغم انها رواية ، وان كافكا يسمى شاعرا رغم انه كاتب قصصي روائي.

الرسامون التشكيليون شعراء ، النحاتون شعراء …حتى بائعوا الخسّ في نظر ابي العتاهية شُعراء بالفطرة، الشعر حالةٌ انسانية قوامها ان تكون نفسك وان تكون نفسك يعني انك مستعصٍ على التصنيف حسب اي ايديولوجية ايّا كانت دينا او حزبا او منظومة فكرية ما .

لهذا اصدر الحق بيانه ان الشعراء صنف مميز من الناس وانا اوافق شادي عبد العزيز المترجم والاخرين في مقال له –وربما شاركه على النت وليس له لذا وجب التنبيه – اسمه القواعد الاربعون للترجمة ، ان من يترجم يجب الا يعلق في وسط الترجمة عن معتقداته . اتذكر انه في حلقة انيمي ناروتو كانت الجملة المترجمة هي ( اله ) كانوا يتكلمون عن اله ما وهنا اضاف المترجم ( الههم المزعوم) او يضيف احيانا ( استغفر الله) بعد عرض مقطع ديني ما يخالف الدين الرسمي للمترجم .

كذلك من الغباء اتهام نزار قباني بالشرك لما قال (ساعدني يا برج الحمل ) في قصيدته التي ولا اروع (اجلس في المقهى منتظرا ان تاتي سيدتي الحلوة ) انه لمن الغباء الشديد فعل ذلك لان الشعراء يتبعهم الغاوون بمعنى انهم اسياد الغواية والقائدون لها . ولم الغواية ؟؟ لان العالم ممل جدا دون الشعراء وافكارهم الثرية والمصيرية حول الرب والمصير ومعنى الحياة والانسان اذن فلندعو برج الحمل فعلا ان يساعدنا .

ثم انظر وتامل هل يوجد اجمل واحلى من ابيات الشعر هذه التي هي ضد الشعراء المزيفين الذين لا شعر حقيقي لهم ولا ادب، المقطع للعظيم بوكوفسكي والذي اتعبنا بعض الروائيون والادباء العرب بان قلدوه او حاولوا ذلك -فاشلين- باداءٍ يدعو الى الرثاء والبؤس:

إلى العاهرة التي سرقت قصائدي / بوكوفسكي.

فلتأخذي، المرة المقبلة، ذراعي اليسرى أو خمسين دولاراً

لكن ليس قصائدي:

لستُ شكسبير

لكن أحياناً ببساطة

لن يكون هناك المزيد من القصائد، تجريدية أم سواها؛

سيكون ثمة دائماً، وحتى القنبلة الأخيرة،

مال وعاهرات وسكارى

لكن مثلما قال الرب

مصلّباً ساقيه،

أرى أنني صنعت الكثير من الشعراء

لكن ليس الوافر

من الشعر.

وهل يقول ان هذا تجديف الا لمن ليس له قلب ولا ذوق في الادب الانساني الرفيع .

لنتكلم الان عن الالتزام الفني . يقول لك الذين اشتعل راسهم شيبا في منصة جائزة نوبل وغونكور و بوكر مان ان الفنان يجب ان يكون ملتزما بقضايا الانسانية . والجواب هو :ابدا ،هذا ليس فنا .الفن ان تعمل حسب الفن ولا يهمني ما تعتقده : اِعتقد ان شيطانا ما يملي عليك كما اعتقد الجاهليون، او الانا الاعلى او الانا الادنى او رجل يلبس جلد خروف كما يعتقد هاروكي ، او الهو او اللاهو كما يقول فرويد او كائن فضائي ما لا مرئي قرر مرة ان يصيب بالجنون كاتبا فرنسيا فيخرج بطائفة الرائلية ويدعي اننا خلق من المخلوقات الفضائية وانهم الهة وان السومريين تكلموا عنهم بدقة ولا يؤمن بالكتب المقدسة ، اعتقد ما شئتَ بله حتى ان روح القدس يمدّك او انك بنفسك اله السرد كما قال بعض الروائيين المصريين الذين حتى كتبهم، الملل بذات نفسه لا يقرأها الا و بكى بالاربع السجام من حجم الضجر الممتليء بها ، الخلاصة اعتقد ما شئت ما دمت تملك ما يمليه عليك الهامك والهامك الفني الخالص انت وحسب ، كتب د سالنجر تقول لادب العصر مشكلتنا هي الضجر كالفينو في وصاياه الست للالفية التي تم تجاهلها من اغلب من يكتبون يقول لا تكونوا مُضجِرين ، لماذا ليس على الفنانين الا يشغلوا بالهم بالقضايا الانسانية ، لأن غالب الفنانين الحقيقيين يملكون انسانية طاغية اصلا وكل من كتبوا حول اساتذة الياس في مذكراتهم وحول حياتهم قالوا انهم جد لطفاء و مهذبين اجتماعيا ويساعدون الاخرين جدا عكس ما نظنه من خلال كتاباتهم ، او ما نعتقد اننا فهمناه من خلال كتاباتهم ، و هذا يدل اننا لم نفهمهم جيدا فعلا ..و لاضرب مثالين صمويل بيكيت وسيوران ايميل وشوبنهاور نفسه (اقرا اساتذة الياس والمقابلات والمقالات حولهم ).

الالتزام الفني لدى من يروجون له ، يعني ان الفنان يجب ان يدعم بشكل واضح بالمقالات و بفنه وبتصريحات واضحة: القضايا الانسانية وان يقول ان الطاغية طاغية في وجهه ويكتسب بذلك رضا الدين والله و يقدسه الناس عبر التاريخ بتماثيل تنزع في الثورة المقبلة ، وان يرثي لحال اطفال افريقيا وان يدعم انصار البيئة وحماية كوكب الارض. و هذا في نظر الفنان تفاهة اذ انه بمجرد كونك انسانا فانت تدعم الانسانية واي فعل يخالف الانسانية فان الانسان بفطرته يكرهه والفاعل للشيء المخالف يهين كل انسان في الارض بفعله ذلك، كما يقول نلسون مانديلا الممجد..فهذه لا تحتاج لتصريح ولا لدعم ..يقول السياسيون ورؤساء الجمعيات غير الربحية ظاهرا الربحية باطنا وبطناً : “لا” بل يجب ان يصرح وان يدعم ويدفع النقود لان هذا يحسن الوضع، لكن الجواب على هذا هو أن الفنان اذكى وفي مستوى ارفع من ذلك فهو يريد ان يستاصل الامر من اساسه، بتبديل افكار الاخرين اصلا عن الأمر، الفنان مُزارِع يريد ان يزرع الفكرة ويرعاها .. لا يريد تشذيب شجرة الحنظل ، لا يريد ان يطعّمها ..يريد ان يغرس توتا او يغرس كرزا ، يريد ان يكرُز بمحبة الله او محبة الانسان او كلاهما ، يريد ان يغيّر ما لا يتغير وان يكفر بالثابت والمتحول وان يبدل ماهيات الاشياء..ولنعطي مثالا بسيطا لذوي العقول العملية المادية : رواية موبي ديك للفنان الشاعري هرمان ملفل مثلا لما قراها ستيف جوبز وفعل مثلا على اساسها اي شيء في شركة ابل فالتاثير المليوني الذي ستحدثه هو بالضبط ما يريده الفن .يريد بذرة بحجم الحصوة ..لكن الفنان الذي يمتلك روح الشعر ، لا يراها بذرة .. انه يرى بداخلها الشجرة الكبيرة المورقة التي ستكون يوما ما ، وهو لا يضجر من الانتظار .. فنحن ها هنا ..جواب كل فنان على ماذا الذي تفعله ؟ هو (نرّبي الأمل ) …

فالفن يريد ان يغير التاريخ ويغير الامور حتى لو كانت ببطء لكنه يؤمن بنفسه وانه يستطيع فعل هذا .لذلك فلا اهمية ولا ضرورة نقولها صراحا لاي التزام في الفن بالمعنى المطروح حاليا وحوله كل هذه الضجة .

المصدر :