موديانو وهابارا وامانينا (المفجوعة ) في هاروكي موراكامي

-يونس بن عمارة .

اخبرني محمود حسني بعدما انزعجت لعدم حصول هاروكي على نوبل : انه لا ينبغي ان اتسرع في الحكم على موديانو باتريك الفرنسي الحائز عليها ، حتى اطلع على ادبه ..وفي كتاب في احضان الكتب اخبر بلال فضل ان الكثير من المثقفين العرب يحبطون دائما من نتائج هذه الجائزة لانها تخرج دوما باسم كاتب لم يطلع عليه العرب لا في لغته الاصلية ولا في العربية التي يترجم لها عادة بعد فوزه بالجائزة . لكن هذا الحكم او هذه القاعدة تم انتهاكها اكثر من مرة اولا لما حصل عليها اورهان باموق والان مجددا اذ ان موديانو فطن به بعض المترجمين و بالضبط رنا حايك ودار نشر ميريت فاخرجت له رواية “مجهولات” بالعربية اضافة الى ان له عدة روايات مترجمة للعربية .ولنقل ذلك : مرحى !نعم لقد حصل ذلك قبل حصوله على الجائزة .وبحصوله ستتسلسل اعماله المتبقية تباعا بالتاكيد .

الكاتب غزير الانتاج ..وعبارات نوبل التي جعلته يفوز غامضة ولا تشرح لماذا كسب الجائزة لكنني انهيت روايته مجهولات في يومين (ويمكن انهاؤها في جلسة واحدة او في سفر واحد متوسط المدى ) …تشعرك الروايات الاخرى لما تقراها (مثلا طبل الصفيح ) بشعور غامض كان احدهم قام بركلك في البطن ..اما في “مجهولات” لموديانو فان هناك سردا هائلا واحتواء كبيرا للحزن لكن بطريقة غير مقلقة ..القلق الوجودي التابع للتسعينات الثمانينات والسبعينات وبالاخص الستينيات التي تجد فيها كلمة ازمة ونكبة في كل العالم وكلمة انهيار وسقوط وانحدار وانحطاط (احساس مفجع بالنهاية ) غير موجودة ..

البطل انثى في كلا شقي الرواية ..هذا ما اكتشفته ان لها شقان لكني غير متاكد تماما ،ولم اعرف انهما اثنان الا بعدما انهيت الجزء الاول لا توجد فصول ولا علامات ترقيمية ولا جزء اول ولا ثاني، السرد متصل ببعضه متتالي بشكل جميل للغاية وهاديء ، غير سعيد في الاغلب لكنه غير مقلق ، ليس ساخرا وهذا مدهش في رواية تحوي هذا السرد كله ، بالاضافة الى انه لا توجد مراجع تمكنك من امساك اي شيء عدا السرد الهائل المحكم والمتواصل للمجهولة الباريسية ..

كما تقول المترجِمة رنا حايك في المقدمة ان الرواية تبدو مغرقة في المحلية اول الامر لكنها ليست كذلك وهذا ما ستعرفه من الصفحة الاولى .. موديانو يمتلك ببساطة الشعلة الادبية ويمتلك الموهبة ..وهذا رايي لذا فهو يستحق الجائزة .

عودة الى محمود الذي اخبرني انه من المفترض ان يكسب ميلان كونديرا الجائزة نظرا لانجازاته وسنه او على الاقل هاروكي موراكامي ..وهذا شرعي وحقيقي ..لكني اخبرته ان اللجنة لا تتوافق مع اراء كونديرا السياسية ونظرته لحالة اوروبا لذا فمن المحتمل جدا الا يكسبها ابدا وسيخلد في الادب كقامة لا تحتاج الى اية جوائز ..

الجائزة تمنح كل عام لذا هناك الكثير من الحظوظ للادباء ككل .ولا ندري ما الذي سيحصل العام المقبل الا ان هذه دعوة لنفسي للتعرف اكثر على موديانو الذي يبدو نسيجا مختلفا وثريا للادب الاوروبي المعاصر.

ولنلق الان بعض اسئلة احاول الاجابة عنها باختصار :

1-هل يستحق موديانو باتريك الجائزة ؟

-نعم وبجدارة

2-هل كما اخبرت اللجنة ان ذلك بسبب الذاكرة والفن الانساني ؟

-لا .باتريك موديانو يملك الموهبة الادبية ..عادةً الادباء المشردون في طفولتهم وشبابهم يملكون طاقة كبيرة على استشفاف الحقائق لانهم نفسيا معزولون عن المجتمع وهذا يتيح لهم مراقبته عن بعد والتوصل الى افكار مذهلة واصيلة وغير مغمسة في البروتوكولات ولا البروجوازية الادبية او المادية : كامثلة هناك هنري ميلر و اورويل جورج و بوكوفسكي و سالجنر.

3-ايهما الاحق ميلان كونديرا او هاروكي ؟

-ميلان كونديرا .

4-ايهما الاعمق ميلان كونديرا ام هاروكي ؟

-ميلان كونديرا .

5-ايهما الاعمق سوزكند ام ميلان كونديرا ؟

-سوزكند بالطبع .

6-ايهما الاهم والافضل سوزكند ام بورخيس ؟

-بورخيس .

7-ايهما الاعمق بورخيس ام جيمس جويس ؟

-جيمس جويس اعمق لكن بورخيس اهم وافضل ادبا .

8-ايهما الاهم جيمس جويس ام كافكا ؟

-كلاهما مهم جدا . لكن كافكا افضل ادبا وجويس اعمق .(الاحكام مبنية على مطالعاتي المحدودة والذاتية غير الموضوعية )


لنتكلم الان عن هاروكي موراكامي في قصته الاخيرة القصيرة التي قدمتها اماني لازار مشكورةً للعربية ..قصته “شهرزاد” .والترجمة كانت ممتازة ولنقم بتحليل النص الادبي بناء عليها .

العنوان شهرزاد – التاثير عربي واضح الف ليلة وليلة . لكنه يلعب على نقطة مهمة جدا ..وهو تساؤل (( ان كانت شهرزاد الحقيقية في الف ليلة وليلة لما تنهي القصة الالف تقبّل الارض بين يدي الملك وتاتي باولادها الثلاث امامه فيعفو عنها ولما كنا نعلم انه في خلال الف ليلة وليلة كانت الليالي كلها مشغولة بالحكي ..ممارسةالحب متى وقعت بالتحديد ؟؟ )) السؤال وقح طبعا لكن اؤكد لكم انه خطر ببال هاروكي لذا الجملة الاولى في قصته القصيرة شهرزاد تبدو صادمة للذوق الاعتيادي للقاريء ولذوقي ايضا لكنها لفتة ذكية لاستثارة القراءات .

ثيمة ثعبان الماء –الحنكليس الكلام عن عادات الحيوانات والسلمون – تاثير اصيل لهاروكي موراكامي .

قصة الحب الواردة في طفولة شهرزاد – قصة اعتيادية .لكن بدمجها في القصة ككل اعطتها طابعا مميزا .وهي قريبة جدا من حكايا فارغاس يوسا لو كان يابانيا .

-عدم الاهتمام باسماء الابطال واغفالهم مع ان اسم هابارا موجود .تاثير كافكوي معروف جدا .

-الاحتجاز في غرفة دون معرفة الاسباب – تاثير كافكوي مشهور./ تيمة لبول اوستر ايضا ودوستويفسكي ايضا .بول اوستر في روايته ليلة التنبوء ودو في مذكرات من تحت الارض ( او في قبوي كما ترجمها البارودي ).

التحدث عن ان مصير هابارا مرتبط برغبة شخص او منظمة او كلامه عن (هم ) التي اشار اليها هاروكي بغموض – تاثير بورخيسي شهير في قصته الرائعة النصيب في بابل في كلامه عن (الشركة THE COMPANY ) ..

ولنقل ايضا ان الاحتجاز في غرفة يشبه ايضا ( من القبو او مذكرات من تحت الارض ) التي كتبها دوستويفسكي طبعا ..والملاحظ ان هناك كتابا لهاروكي اسمه تحت الارض وادبيا معروف ان هاروكي متاثر بشدة بدو والعم ليو تولوستوي والمدرسة الروسية العتيدة الثقيلة في فن الرواية .

القصة ممتازة فعلا ولها انطباعات وتداعيات كثيرة ومهمة وجميل ان يكتبها كاتب يعيش بيننا ويصادف المشاكل الحالية والانية التي نعانيها ويكتب عن حيرتنا الوجودية في هذا العالم الذي لا ندري بالضبط كيف يسير او اي رغبة تتحكم به ؟؟!!

رابط مقالي في المدونة :