عقولنا البشرية قد تكون من أكثر الأنظمة تعقيداً في العالم الحيوي، إنها هبة مبهرة تمكننا من الإدراك والوعي والتحليل، ولكن... كثيراً ما تتحول عقولنا تلك إلى ألد أعدائنا.

قديماً كنتُ أظن أنني عقلي، أن ما أفكر به صادر عن نفسي، أنني إذا فكرت بأفكارٍ سيئة، فأنا بالتأكيد سئ.

ثم مر عليَّ كتاب إيكهارت تولي (قوة الآن)، حيث تكلّم الكاتب عن أنّك لست أفكارك، أنت لست عقلك.

بالنظر إلى العقل من هذه الزاوية، اكتشفت أن عقولنا أداة، إذا لم نروضها، قد تخرج عن طوعها وتسبب لنا الأذى.

كيف يكون هذا الترويض، من وجهة نظر إيكهارت تولي؟

يقول الكاتب بأن عقولنا تحاول دائما الهروب من الآن، من اللحظة. أن الأفكار مرتبطة بالزمن، فلكي تكون هناك أفكار، على العقل أن يهرب إلى عالمٍ آخر، موجودٌ في الماضي أو في المستقبل. أما إذا كنا حاضرين بقوة وتركيز في اللحظة الحاضرة، فإنه يمكننا تذوق ما أطلق عليه الكاتب الإستنارة.

الإستنارة في رأي تولي ليست هذا الهدف بعيد المنال، الذي يصل إليه الرهبان، وإنما هو موجودٌ دائماً، حاضرٌ دائماً، إنه هنا والآن، حيثُ لا زمن.

لو فكرنا في الأمر، فإن حياتنا دائماً ما تكون الآن، إنها لا تحدث أبداً في الماضي، ولا تحدث أبداً في المستقبل. لو قضينا حياتنا كلها نفكر في لحظة مستقبلية، أو نجتر لحظة من الماضي، فقد فاتتنا الحياة كلها! نحن لم نكن حاضرين بينما حياتنا تتولد من أمامنا! وتلك خسارة كبيرة!

يخبرنا الكاتب أنه من الصعب إدراك هذه الحقيقة نظرياً، بالقراءة فقط، إذ وأننا في حالة وعي أقل، لا يمكننا أن نستخدمها في استيعاب حالة أعلى من الوعي، فالحالة الأعلى تحتاج إلى ذوق، إلى أن نختبرها بأنفسنا.

هل مررت من قبل بلحظة شعرت فيها بأنك حاضرٌ تماماً في اللحظة؟ هل تعتقد أن هذه الممارسة من الممكن أن تكون مفيدة؟