قال دون بيترسون Peterson Don، الرئيس التنفيذي السابق لشركة فورد، عام 1944 : "كان وضع الأرباح في المرتبة الثانية، بعد الإنسان والمنتجات، أمرا رائعا تميزت به فورد"

تعكس مقولة دون روبرتسون جوهر الاستراتيجية طويلة المدى التي تتبعها شركة فورد والعديد من الشركات الناجحة الأخرى في إدارة أعمالها.

ربما تتساءل لماذا تعتبر الاستراتيجية طويلة المدى أكثر فعالية من غيرها من الاستراتيجية في استدامة شركات الأعمال؟

للإجابة عن هذا التساؤل اخترت قراءة كتاب " شركات أنشئت لتبقى" لصاحبيه جيم كولينز وجيري بوراس، والذي يفسر بوضوح كيفية استغلال الشركات للإستراتيجيات بعيدة النظر لتثبيت أقدامها في عالم الأعمال.

توصل كل من جيم كولنز وجيري بوراس بناء على الدراسة التي أجرياها على 19 شركة تعتمد الاستراتيجية بعيدة النظر، بهدف معرفة التطور التاريخي للشركات التي تعتمد هذه الاستراتيجية، إلى أنّ العنصر الأساسي في مبادئ الشركات التي تعتمد الاستراتيجيات بعيدة النظر هو " الايديولوجية الجوهرية" أي أهداف الشركة وقيمها العليا الجوهرية بعيدا عن البحث عن تحقيق المال وحده. وتُعتمد هذه الفكرة من قبل الشركات لإرشاد العاملين فيها وإلهامهم على تقديم المزيد.

ومن بين الشركات التي جسدت في عدد من مواقفها إيديولوجية القيم قبل المال" هي شركة ميرك لصناعة الأدوية والتي قامت قبل سنوات بإنتاج عقار Mectizan الخاص بعلاج العمى بعد تفشي هذا المرض فيما يزيد عن مليون شخص في دول العالم الثالث، ثم قامت بالتبرع به مع تحمل نفقات توزيعه على حسابها الخاص بما أنّ هذه الدول لا تملك تكلفة شرائه. وفي تفسير مديرها لهذه الخطوة قال بأنّ الفشل في طرح المنتج كان من المحتمل أن يصيب علماء شركة ميرك بالإحباط والارتباك، لاسيما أنهم علماء لدى شركة تعتبر نفسها بصورة قاطعة تعمل في مجال الحفاظ على حياة الإنسان وتحسينها،

وقبلها بسنوات كانت ميرك قد قامت بمبادرة مشابهة في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث قامت بتقديم عقار Streptomycin لليابانيين بدون مقابل في أعقاب الحرب العالمية الثانية للقضاء على مرض السل الذي كان ينهش مجتمعهم، واليوم تحصد الشركة نتيجة عملها هذا بكونها شركة الأدوية الأمريكية الأولى في اليابان.

وإذا أعتقدنا أن شركة ميرك لا تحصل على النتائج المالية المرجوة بتقديمها للقيم الانسانية على الربح المادي فنحن مخطئون لأن نتائج هذه الاستراتيجيات لا تكون واضحة دوما، لكنها تُجنى بطريقة أو بأخرى وأرباح الشركة المالية الضخمة واحتياطها النقدي الكبير دليل على هذا.

في المقابل تتبع منافستها شركة فايزر سياسة معاكسة تماما تعتمد على تحديد الربح المادي كهدف لكل نشاطاتها وهذا ما يظهر في سياسة الشركة التي تعتمد على الاستحواذ على الشركات الأخرى في المجال (استحوذت على 14 شركة خلال 4 سنوات فقط) وأيضا التوسع في مجالات صناعية أخرى مثل صناعة منتجات التجميل والشعر والصبغات والمنتجات الزراعية.

أيهما تفضل استراتيجية فايزر أو استراتيجية ميرك؟

هل تعتقد أن الشركات التي تتبع استراتيجية تحقيق الأهداف على المدى الطويل يمكن أن تفضل القيم العليا على الربح المالي أثناء فترات النجاح فقط أو يمكنها تفضيلها حتى في فترات الكفاح من أجل البقاء؟