يتلاشا الدوار تدريجيا كلما طوت سيارة التاكسي الطريق مقتربة من القرية. الدوار سنة طريق أفعواني يشطر جبلا إلى نصفين.

بدأت تظهر بوادر وصولي إلى قريتي ، معالم على الطريق أعرفها مذ كنت صغيرا ، مازلت أذكرها حين كان أبي يأخذني معه إلى سوق القرية ، كنا نمر من ذي الطريق ، لم يطرأ عليها تغير كبير ، مازالت الملامح الكبرى لوجهها العجوز بادية من بعيد كنار قِرىً فوق علم يراها السائرون في السرى يحيط بهم الظلام في صحاري التيه ، السماء خريطتهم والنجوم دليلهم.!

توقفت سيارة الأجرة ، نزلت منها ودفعت للسائق ثمن التوصيل. أجلت نظري حولي ، كل شيء هنا أعرفه ويعرفني ، أراه ويراني.!

حييت الأحجار والأشجار تحية سلام ، لست مجنونا لكنه الشوق الذي نتيه فيه بين بقايا الماضي الجميل وقشيب الحاضر الأليم ، يفعل بالمرء ما لا يفعله الجنون.!

يبتعد الجسد وتأبى الروح إلا الوصال ، هكذا هو حالنا مع أوطاننا ، رغم قساوة الظروف وبعد المسافات إلا أن هناك حب ، ومادام هناك حب فهناك شوق ، والشوق طريق يسلكه القلب الملقى على قارعة الأمل كي يحظى بنظرة خاطفة تعدل عنده الدنيا بمن عليها..!

قد تبدو قريتي لرآئيها عادية ليس فيها ما يدهش ؛ لكني أراها بقلبي وهو يراها بعينيه ، وشتان مابين الرؤيتين..!

لي