أحم، اولًا المقال في مجتمع فلسفة، فكر قليلًا قبل قول أي شيء، ثانيًا الدين هنا سنقصد به "كل ما يتعلق بالعالم الآخر" وأعرف أن هذا جزء من الدين بالنسبة للدين الإسلامي، ولكن هذا هو المعنى المتعارف عليه عند الأغلبية عند ذكر تعارض الدين والعلم، أما العلم فهو "كل ما يتعلق بهذا العالم فقط".

كثيرًا ما قد تقرأ وبالأخص في عصرنا الحالي عن "العلم ينتصر على الدين"، "الدين ينتصر على العلم"، "نظرية التطور تدحض الخلق الإلهي"، وغيرها من العنواين التي تشعرك أن الدين والعلم كانا في صدام مستمر، ربما كان هنالك ملاحدة على مر تاريخ البشرية، ولكن هل يتصادم فعلًا العالم الأخروي مع العالم الدنيوي؟

الأمر بدأ منذ أيام سقراط ومنطقه، الذي يعتمد على المادية ولا يدخل في نقاش الإلهيات أو على الأغلب ينكرها، وطبعًا معاصروه ومن جاءوا بعده ممن استخدموا منطقه من علماء الغرب والشرق، ولكن نبدأ بالسؤال الأول، ما هو المنطق؟

أولًا يجب أن تدرك أن المنطق على نفس الدرجة من الصحة التي تقوم عليها الأديان، لماذا؟ لأن المنطق قائم على مسلمات لا يمكن إثباتها إلا بالمنطق، وهذا "دور" ومستحيل تحقيقه، لأنه لن يوصلنا لأصل المنطق، لذا يجب أن تعلم أن المنطق قائم على لامنطق (ربما نتكلم في الأمر لاحقًا) وعلى مسلمات أشبه بالمسلمات لدى معظم المتدينين، مسلمات لا يمكن إثباتها، وهذا هو المنطق، اذا قارنته بالمشاعر مثلًا فكلاهما على نفس الدرجة من الصحة، على الأقل من وجهة النظر هذه، اذًا ما الذي يجعل المنطق منطقًا؟

المنطق مثل اللغة، نتفق عليها جميعًا فتصبح لغتنا، والمنطق هو أمر أتفق عليه البشر جميعًا فأصبح لدينا منطق مشترك، ولكن لحظة ألا يمكن لمنطقك أن يختلف عن منطقي؟ ألا يمكن لمسلماتك -التي تقيم عليها منطقك- أن تختلف عن مسلماتي؟ بالتأكيد يمكن، وهنا يكمن عدم التوافق والإختلاف.

الدين والعلم لهما منطقان مختلفان، فالدين مسلماته قائمة على العالم الآخروي، والعلم مسلماته قائمة على العالم الدنيوي، وبالتالي الإختلاف ممكن، ولكن هل يمكن أن يتقاطعا؟ بالتأكيد قد تقاطعا مرارً على مر الزمن، فعلام يدل هذا؟ يدل هذا على أن كلا العلم والدين من الممكن أن يكونا صحيحين!

نظرتي الأخيرة للأمر، أن العلم والدين ينظران لنفس الشيئ، ولكن كلًا منهم بطريقته الخاصة، أي أن الإختلاف بينهم هو إختلاف في وجهات النظر، وهذا الإختلاف لا يمكن أبدًا أن ينتج عنه إنتصار أحدهما على الآخر إلا في المنطقة المشتركة، المنطقة التي يتفقا فيها، بالتأكيد للعلم والدين مناطق يشتركان فيها، مثل مجالات كلًا منهما، ولكن في غير ذلك فالمنطقان مختلفان في الجذور وبالتالي لا يمكن أن ينتصر أي منهما على الآخر.

العلم والدين وجهتان مختلفتان للنظر لهذا العالم، كما تختلف وجهة نظري لأمريكا عن وجهة نظرك أو عن وجهة نظر صديقك الأمريكي، كلها وجهات نظر صحيحة، ولكن كلًا منا يركز على جزء معين من أمريكا، الحل الوحيد أن نجمع كل وجهات نظرنا اذا أردنا الكتابة بحيادية والنظر لأمريكا بصورتها الكاملة، بمساوئها وعيوبها، ومشاكلها وحلولها، ولكن لو أنتظرنا أن تنتصر وجهة نظري على وجهة نظر صديقنا الأمريكي فما الفائدة؟

الدين يدعي أنه يدرس العالم من الخارج، من وجهة نظر خارجة عن العالم كله، الصورة من خارج مصر مختلفة عن صورة الناس عنها من الداخل -بكل تأكيد-، ولو آتنا أحدهم ونحن في الداخل وتكلم عن وجهة نظره إلى مصر وأخبرنا أنها وجهة نظر من في الخارج على الأغلب سأكذبه، لأنني لا أستطيع أن أرى أو أسمع وجهة نظر من في الخارج، بينما هو يدعي ذلك، ولكن الأمر ما زال ممكنًا، هكذا الدين والعلم، العلم يرى وجهة النظر من الداخل ولا يدعي تدخله في شئون الخارج إن وجدت، والدين يرى وجهة النظر من الخارج، ولكن على عكس العلم بدأت أديان البشر في الآلاف الأخيرة من السنين تتجه للإهتمام بالداخل، أي تدخلت في شئون الداخل، مما ولد وجهة نظر من العلم للتدخل في شئون الخارج، بشكل جعلهما يتنافسان، لا يتوافقان، وأقول أن هذا كان ضروري، وكان يجب أن يحدث يومًا ما، ولكن من يدري من سينتصر؟!