قبل أن نخوض في الموضوع، لابد أن أوضح فكرة ضرورية ومهمة جدا.

  الكل يعلم أن الإنسان خلق الله بالعقل، الذي يتصل مع العالم الخارجي عن طريق الحواس، التي تقوم بتحويل الأشياء الخارجية المادية المحسوسة إلى تصورات داخلية مثالية، تُختزن داخل الذاكرة. من بين هذه التصورات هناك التجارب اليومية في الحياة.
  إذن داخل كل ذاكرة إنسانٍ، هناك العديد من الخبرات الخاصة به... هذه الخبرات تجعله قادرا على الإحتكاك مع الواقع بعقلانية، أي أنه يستطيع التمييز بين المواقف المختلفة، حسب الخبرات التي استوعبها من قبل، ويتم تنشيطها داخل ذاكرته. و يختار بذلك مايراه صالحا بالنسبة له -حسب خبراته. 
 وهكذا نجد أن الإنسان يمتلك الإختيار الواعي والعقلاني، الذي يجعله حرا في الإختيار بين الأمور و القرارات. لكن هناك أمور تفرض نفسها من العالم الخارجي على اختيار الإنسان. منها الظروف؛ فالظروف لها دور في تشكيل نوعية اختيار الشخص وكمية الإختيار. يعني أن الإنسان قد يختار فعل أمر ما بحريته، لكن الظروف تفرض عليه أمرا آخر.
 إن الظروف من أهم الأمور التي تفرض نفسها على الذات الإنسانية من خارج هذه الذات. وهذه الظروف نوعان: المحفزات والعوائق. فأما المحفزات فهي تساعد الإنسان في تطوير إختياره كميا وكيفيا، كما تساعده على الإستمرار في ممارسة اختياره، أما العوائق فإنها تكون إما عامل في تأجيل ممارسة اختياره، أو إلغائه كلية -حسب شخصية الشخص وعوامل أخرى ليس هذا المكان المناسب لذكرها.

قد تتساءل ماعلاقة هذا بموضوعنا؟ سيأتيك الجواب طبعا.

 إن الظلم ظاهرة، تستدعي وجود طرفين بالضرورة، الظالم والمظلوم، فالظالم هو شخص يُمارس الظلم على شخص آخر يسمى المظلوم. لكن لممارسة هذه ظاهرة ، لابد لها أن تقوم على ماسميناه قبلا بالظروف. وهنا سنناقشها كمحفزات وليست كعوائق(وكل تحديد هو سلب)، من هذه المحفزات هناك:
 أولا، الإختلاف بين الأشخاص في القوة(قوة سياسية أو عسكرية أو بدنية أو عقلية) أو المال أو العدد. يعني أن هناك قوي وضعيف، أو غني وفقير، أو كثرة ضد قلة، وذكي وغبي. وهذا الإختلاف يعمل كمحفز كبير لممارسة الظلم، من طرف الشخص الذي ينال الأفضلية في هذا الإختلاف.
 ثانيا، انعدام المحاسبة. يعني أن المجال الذي تمارس فيه هذه الظاهرة، هو مجال تنعدم فيه محاسبة الأشخاص الذين يقومون بهذه الظاهرة، وهذا مايُشجعهم على ممارستها دون كوابح، فالمحاسبة تعمل على كبح جماح هذه الظاهرة... فالمحاسبة هي ممارسة الفعل المضاد للظلم، عن طريق العقاب من طرف مؤسسات اتفق المجتمع على جعلها تمارس هذا الفعل المضاد. وانعدامه المؤسساتي هذا، يؤدي إلى توليد فعل مضاد فردي، وهذا مايسمى بالإنتقام.
 إذن، هناك إنسان اختار الظلم لممارسته، من أجل هدف ما، إما مادي أو معنوي، لكن هذه الممارسة قامت على محفزات، ولولاها، لما استطاع هذا الإنسان ممارسة الظلم. كما أن المظلوم لو أنه حظي بنفس الظروف التي توفرت للظالم، فمن الممكن أن يُمارس الظلم.
 إذن نستخلص من هذا كله أن الإنسان، له القدرة على اختيار الظلم لممارسته، لكن فقط، إن وجدت الظروف المواتية لذلك و أقصد المحفزات. يعني أن الظلم، لولا توفر الظروف المواتية لممارسته، لما استطاع الإنسان على فعله، حتى وإن اختار ممارسته. يعني أن الظالم هو ظالم لأن الظروف وضعته في هذا الوضع، والمظلوم هو كذلك لأن الظروف وضعته في هذا الجانب... قد أبدو كمحامي الشيطان هنا، لكن أناقش الظاهرة في صلبها. وأنا هنا لا أمسح دنس الظلم عن الظالم، فهو مسؤول عن اختياره. يعني،أن اختيار الظلم هو الذي يجعل الظالم مسؤولا. أما مماؤسته فالظروف هي المسؤولة.

 إذن الظلم ليست أشخاص، الظلم ظروف، لهذا إن أردنا الحد من هذه الظاهرة فلابد لنا من معالجة الظروف المواتية لممارسته، وفهمها جيدا.

____________________________

محمد_أمزيل