لماذا لا يزال التنمر مستمرا بالرغم من التوعية المكثفة حوله ؟

أظن أن السبب ليس في نقص أو زيادة التوعية لكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير

ربما يرجع التنمر و أساليبه لكمية النقص و مقدار الضعف الذي يحس به المتنمر و التفكير في الأمر بهذه الطريقة يثير إشئزازي حقا... لأن هذا يضع أمامي صورة مؤلمة أتخيلها و هي مجموعة من الناس المشوهين المرضى يهاجمون مجموعة قل عددها في الواقع بصحة ليست جيدة بالضرورة لكنها أفضل على كل حال...

تخيلي أن كل متنمر يعاني من عقد نفسية و كل متنمر عليه يعاني من المثالية المفرطة لدرجة يسمح فيها للمتنمر أن يؤذيه.. هذا حقا مؤلم.

أرى أن الحل يرجع لأساليب التربية منذ الصغر ... هناك شيئ ما يجب معالجته على مستوى دور الفرد الواحد في المجتمع بشكل عام، بعمق و تأني.

حضرني موقف لطفلة في عمر العاشرة في إحدى الورش في العلوم، كانت تلك الطفلة تتطمئن ليّ وعرفت أنها لا تمتلك أصدقاء وروت لي قصتها مع التنمر وكيف للأطفال يتنمرون عليها وأهلها أيضًا! فهنا استحضرني سؤال لماذا الإنسان يعرف أحيانًا أن ما يفعله خطأ ويستمر فيه؟ فالأهل من المفترض أناس ناضجون عن الأطفال لكن التنمر أصبح خفي تحته مسميات مثل التنمر المغطى بالفكاهة (الهزار) أو بدافع أن الشخص يريدك أفضل (وهذا ما قالته ليّ الفتاة بأنهم بعدما يتنمرون ويجرحون مشاعرها يقولون كنا نمزح وأن نقوم بتوعيتك من أجل أن تصبحي أفضل!)

فكثرة المسميات التي يغلف بها المتنمرون سلوكهم تتطور للأسف وبالتأكيد لن ينتهي، فعلى الرغم من التوعية كما ذكرتي إلا أن ذلك عائد على الإنسان نفسه الذي يحاول تبرير التنمر بأي شكل وأن هنالك خلل به ربما راجع لطفولتهم لأن التنمر عادة قديمة مستمرة. إضافة إلى فئة كبيرة من الأهالي غير سوية، فلا تعرف كيفية التعامل مع أطفالهم. فالحل لتقليل التنمر تدريجيًا إضافة لتوعية الأطفال والوصول إلى مستواهم الفكرى بأن يُوعى الآباء أو المقبلين على الإنجاب.

التوعية لامست شريحة المتعلمين، لكنها لم تلامس شريحة طلاب المدارس، أو الناس العامة.

بالأمس قام أحد مشاهير اليوتيوب، بالتنمر على بائع متجول، فحتى هذا المشهور، لم يستطع منع التنمر الذي في داخله أن يطغى على أخلاقه.

يبدو أن التنمر يبدو لذيذا وشهيا للبعض، حتى يجدون أنفسهم غير قادرين على التعايش بدونه.

لا يمكن أن يختفي بكون أنني أراه موضوعا أزليا، من العصور الجاهلية كان موجودا، واليوم وصلنا لعصر الرقمنة والتطور التقني ومزال موضوعا أنيا كأنه حديث النشأة، هذه الوسائل قد سهلت من حياة الإجتماعية للفرد لكنها لم تستطع أن تمحي بعض من عاداته السيئة ولعل أبرزها التنمر بل بالعكس نلاحظ أنها قد زادت طين بلة ووضعت له أرضية مساعدة لممارسة التنمر بأريحية في ظل وجود خاصية الحساب المجهول الذي ينشر طاقته السلبية ولايمكن أن نتعرف على شخصه.

لذلك القضاء على التنمر ليس له علاقة بالتوعية المكثفة وإنما أكثر إرتباطا بأخلاق الفرد وتربيته الحسنة هي التي تمكنه من عدم الإساءة للغير، لذلك لابد أن تتظافر الجهود كل من الأسرة والمدرسة والمسجد من أجل تربية أطفال متخلقين لا يعرفون ضمن قاموسهم التنمر على الأخر لأي سبب من الأسباب لا لجنسه، دينه، عرقه، مستواه التعليمي...

في الحقيقة، التنمر شائع بين أطفال المدارس والمراهقين أي أشخاص نعتبرهم "أطفالا".

حسنا. في مجتمعاتنا العربية هناك عبارات شائعة في التعامل مع الأطفال على غرار: "اتركه، صغير"، "بيكبر و يفهم أنو غلط"، "ما بيعرف شو عم يعمل" إلى غيرها من المقولات التي تجعل أي شخص يحاول نصح الصغير مخطئا وظالما.

يجب في رأيي تجنيد أخصائيين تربويين ونفسيين يكونون في تواصل وتماس مباشر مع الأطفال المتنمرين، أي في الوسط المدرسي، وليس على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حيث في الغالب لم تصل إليهم النصيحة.

يجب العمل على معرفة جذور المشكلة وأسبابها، مما يعني الحديث المطول مع المتنمر وفهم وضعه العائلي والاجتماعي وشعوره، والدوافع التي تقوده إلى التنمر، بالإضافة إلى الحديث مع الوالدين أو الوصي القانوني بحضور الطفل وبشكل منفصل عنه، لأن المتنمر غالبا يكون لديه مشاكل نفسية وعقد يخرجها في شكل عنف جسدي ولفظي.

بعد هذا تكون التوعية الثانوية لعائلة المتنمر ومحيطه وأصدقائه ثم التوعية العامة داخل المجتمع.

أرى أيضا أن الاهتمام بالمتعرضين للتنمر ناقص وينبغي الالتفات إليهم أكثر لأن أغلبهم يعاني من تداعيات العنف لبقية عمره، ولذلك يجب تشجيعهم على الحديث والتبليغ عن المتنمرين دون تردد مهما كان خوفهم كبيرا وحتى لو تعرضوا للتهديد (وهو ما يحدث غالبا).