بما أننا كعرب ، نميل دائما لتحميل بعضنا البعض مسؤولية أي تغيير يطرأ على حياتنا ، فمن يجب أن نلوم حين نتحدث عن لعنة إسمها الحب في الشرق ؟

أفترض بأن شِقًّا سيصرخ في وجهي "الحب حرام " و الشق الأخر سينقسم لمجموعات تأوّل سؤالي كلمة كلمة و تنتهي لأراء متضادة ، و القلة  الباقية ستقول بأنه لا وجود للحب ، في النهاية ليس ذنبنا أن العرب إتفقوا على أن لا يتفقوا أليس كذلك ؟

الحب ، تلك الكلمة المحرمة ، المنتهكة ، و المستهلكة أيضا ، تحيا بها شعوبنا كأفيون يدخلها عوالم تشبع رغبتها في مزيج من  مشاعر يلخصونها فيه ..

يتحدث الجميع عن الحب ، في الفايسبوك ، في الإنستغرام ، في تويتر ، في المكالمات الهاتفية ، في المجلات ، في التجمعات .. أينما ذهبت ستجد دوما شخصين يمسك كل منهما بيد الأخر و يتحدثان عن الحب ..

و لكن كل ما ذكرته لا يتعلق بحقيقة هذه الكلمة ، بل بتأويلها الخاطئ .. فبما أننا أمة تعاني أمراضا عاطفية جمة و إعاقات نفسية عديدة ، صرنا نسمي أي شيء نشعر به تجاه الغير حبًّا !

الشفقة ، الوحدة ، الحنين ، الرغبة ، الإعجاب ..

و عندما أسأل نفسي لماذا يقال في هذا المجتمع المنكوب أن الصداقة بين رجل  و إمرأة حب يغلي على نار هادئة ، تجيبني بكل بساطة .. لأننا أمة معوقة عاطفيا ! نريد الحب ، صباحا مساء و قبل الصباح و بعد المساء و يوم الأحد ..

المحادثات الطويلة ، تصنع حبا ..

اللقاءات التي نمضي فيها وقت رائعا ، تنتج ضرورة حبا ..

الشخص الذي تعجبنا تفاصيله ، سيجمعنا به الحب ..

و هذا الحب ، هو الذي يجعلنا في كل مرة نكتئب فيها نحمل هواتفنا لنقول لأشخاص خرجو من حياتنا و لم نفكر بهم منذ شهور وحده الله يعلم عددها ، بأننا نحبهم ..

هذا الحب هو وحده ما يجعلنا عالقين في المنتصف ، ما يجعل نهاية علاقاتنا العاطفية مآساة ، وحده هو ما يؤذينا ..

هذا المزيج الهائل الذي تصنعه عقولنا المتحمسة و تطلق عليه إسم حب ، هو ما يجعلنا دوما غير قادرين على فهم أنفسنا ، و على فهم الأخرين ..

بإستثناء قلة قليلة ، هل يمكن أن نقول اليوم أن العلاقات العاطفية في المجتمع العربي ناجحة ؟ نحن حقا نعيش أزمة ، أزمة أحاسيس و عواطف ..

يكبر الرجل و فكرة القوة تحتويه ، فهو لا يبكي و لا يضعف ، أمور القلب للفتيات أما هو ، فلا يشعر بشيء .. و تكبر الفتاة و هي تشاهد المسلسلات التركية و تحلم بأبطال يكرسون حياتهم لحبها .. و حين يجتمع كلاهما .. يجتمع الماء بالنار ببساطة و تنتهي القصة بخمود أحدهما .. و في كل المراحلما يجمعهم يسمى حبا !

لكن العلاقات الجديدة التي تطفو اليوم على سطح الواقع ، نرى فيها كلا الطرفين متعطشين للإهتمام ، للكلمات المبهرجة و للمواعيد العاطفية الزائفة ، تنشأ العلاقة من لا شيء و يكبر الّا شيء لينتهي بشجار تقع بمفعوله الأقنعة .. فقط بسبب الحب ..

ربما ينتظر البعض أن أقدم تعريفا لهذه الكلمة الكبيرة و المدهشة  .. الحب ! .. و لكنني لا أملكه ! و بصراحة لا أعتقد أن أحدا يفعل ! لكن ما أنا متأكدة منه ، هو أنه بعيد جدا عن الإطار الذي نضعه فيه اليوم .. بعيد عن العلاقات التي تلبي رغباتنا و تشبع غرائزنا ، و عن الرفقة التي نريدها كي لا نشعر بالوحدة ، و عن الكلمات المنمقة ، و عن الدراما و الرومانسية المثيرة للشفقة ..

إذا كان هذا هو الحب ، فليسقط إذن .. فليسقط هذا الشعور الذي يمنعنا من الإعتراف بأننا نشعر بالوحدة و نحتاج لشخص يقف إلى جانبنا بدون أن نحبه ! فليسقط هذا الشعور الذي يجبرنا على إفساد علاقات جميلة كانت ستضمن بقاء أشخاص إلى جانبنا كأصدقاء ! فليسقط إذا كان هو السبب الذي يحرضنا على لعب دور الضحية و الخضوع .. فليسقط ، لأنه منعنا من التعبير .. لأنه سلب الإعجاب معناه و الرغبة إسمها و الشفقة أيضا ..

بسبب هذا الخلط ، لكل منا قصىة .. يحب ببساطة أن يدعوها قصة حب .. ! الأمر مؤكد ! لكل منا قصة .. لكن من الذي أخبركم بأنها يجب أن تتعلق بالحب ! هل وجود طرف أخر في القصة ! يحتم علينا جعل قصصنا بطولية ! ثنائية ! إنها رحلتنا نحن قطارنا هو الذي يسير فلماذا نتخلى عنها و نمنح عجلة القيادة لأشخاص أخرين ، نمنحها لصديق مقرب نعتقد بأنه من نبحث عنه ، نمنحها لإبنة الجيران المثيرة فقط لأنها مثيرة ،و نمنحها لحبيب سابق ، لأنه تركنا ! ..

لو أننا فقط نفهم ، أن الحياة لا تتمحور حول الحب ! و لا تتعلق بالأخرين .. بل بنا نحن ! بما نحن عليه .. و بكل ما نمثله