السبيل الصحيح للخروج من الفتن :

لقد أخبر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فقال كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"إنّ الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" رواه مسلم وهذه الغربة تشتدّ كلّما تطاول الزّمان وتباعد عن عهد النّبوة وذلك لكثرة الخلاف الذي أخبر النبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه سيقع في هذه الأمة حين قال: "ومن يّعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا" رواه أبوداود والتّرمذي، فإذا حصل ذلك كثر الشّر واستحكمت الفتنة وعند حدوث ذلك بيّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم المخرج لمن يطلبه في أعذب أسلوب و أجمع عبارة "تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه" رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث حذيفة رضي الله عنه الطويل في سؤالاته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حول الفتن وما حوت من شرّ، وللشّيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى كلام عظيم في هذا الموضوع يحسُن نقله. قال عليه رحمة الله:[[ فهذه الفتن الواقعة في هذا الزّمان من جنس ما أشير إليه في هذا الحديث الذي خرّجه الإمام أحمد في مسنده فتعيّن الإهتمام بالمخرج منها و النّجاة فيها ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بالإعتصام بحبل الله ومعرفة ما أوجب وندب إليه في كتابه من شرائع الإيمان وحدوده وما نهى عنه وحرّمه من شعب الكفر والنفاق فعن حذيفة: "قلت: يا رسول الله أبعد هذا الخير شرّ؟ قال : يا حذيفة تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه ثلاث مرار قال: قلت: يا رسول الله أبعد هذا الخير شرّ؟ قال" فتنة عمياء صمّاء عليها دعاة على أبواب النّار وإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتّبع أحدا منهم"": فتأمّل ما أرشد إليه حذيفة وما وصّاه عند حدوث الفتن العظام التي لا يبصر أهلها الحقّ و لا يسمعون من الدّاعي و النّاصح وتكريره الوصيّة بقراءة كتاب الله واتّباع ما فيه لأنّ المخرج من كلّ فتنة موجود فيه مقرّر لكن لا يفهمه ويفقهه إلا من تعلّم كتاب الله ألفاظه ومعانيه و وفقّ للعمل بما فيه فذاك جدير أن يهبه الله نورا يمشي به في الناس ولا يخفى عليه ما وقع فيه الأكثر من الشّك والرّيب والإلتباس وهذا الصّنف عزيز الوجود في القرّاء ومن ينتسب إلى العلم و الطّلب فكيف بغيره؟ شعر: أما الخيام فإنّها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها. فعليكم بلزوم الوصيّة النّبوية لصاحب السّر حذيفة بن اليمان و بتدبّر القرآن والتّفقه في معانيه لعلّه بذلك يعرف العبد إن عقل عن الله أنّ أوجب واجب فيه وآكده وأهمّه وزبد ته معرفة الله تعالى بما تعرّف به إلى عباده من صفات كماله ونعوت جلاله وبديع أفعاله وإحاطة علمه وشمول قدرته وكمال عزّته وعميم رحمته، وبمعرفة ذلك يهتدي العبد إلى محبّته وتعظيمه وإسلام الوجه له وإنابة القلب إليه و إفراده بالقصد والطّلب وسائر العبادات كالخشية والرّجاء والإستعانة والإستغاثة والتّوكّل والتّقوى ويرضى به ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نبيا ويذوق من طعم الإيمان ما يوجب له كمال حبّ الله وحبّ رسوله وكمال الحبّ بجلاله ويعرف الوسائل إلى هذا المطلوب الأكبر والمقصود الأعظم ويهتمّ بها غاية الإهتمام ويطلبها منتهى الطّلب ويعرف ما يضادّ هذا الأصل ويناقضه من تعطيل وكفر وشرك ويعرف وسائلها وذرائعها الموصولة إليها المفضية إلى اقّتحامها وارتكابها فيهتمّ بتحصل وسائل التّوحيد و يهتمّ بالتّباعد عن وسائل الكفر والتّعطيل والتّنديد كما يستفاد من قوله –تعالى-: " إيّاك نعبد وإيّاك نستعين"]] عيون الرسائل والمسائل صفحة (261) فما بعدها .