السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إشراقات من سورة الحجرات (1)

https://io.hsoub.com/go/43360

إشراقات من سورة الحجرات (2)

https://io.hsoub.com/go/43413

إشراقات من سورة الحجرات (3)

https://io.hsoub.com/go/43466

إشراقات من سورة الحجرات (4)

https://io.hsoub.com/go/43674

إشراقات من سورة الحجرات (5)

https://io.hsoub.com/go/43740

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿١٣﴾). يقول تعالى مخبرًا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة، و جعل منها زوجها و هما آدم و حواء، و جعلهم شعوبًا، و هي أعم من القبائل، و بعد القبائل مراتب أخر كالفصائل و العشائر و العمائر و الأفخاذ و غير ذلك.

و قبل: المراد بالشعوب بطون العجم و بالقبائل بطون العرب، كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل.. فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم و حواء، و إنما يتفاضلون بالأمور الدينية و هي طاعة الله و متابعة رسوله صلى الله عليه و سلم؛ و لهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة و احتقار بعض الناس بعضا، منبها على تساويهم في البشرية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) أي: ليحصل التعارف بينهم، كل يرجع إلى قبيلته.

و قال مجاهد في قوله: (ولتعارفوا) كما يقال: فلان بن فلان من كذا و كذا، أي: من قبيلة كذا و كذا.

و قال سفيان الثوري: كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها، و كانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها.

و قوله:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ) أي: إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب و قد وردت الأحاديث بذلك عند رسول الله صلى الله عليه و سلم روى البخاري رحمه الله: عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم: أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم. قال: فخيركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا.

و روى مسلم، رحمه الله: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم، و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم.

و روى الإمام أحمد:عن أبي ذر قال: إن النبي صلى الله عليه و سلم قال له: انظر ، فإنك لست بخير من أحمر و لا أسود إلا أن تفضله بتقوى، تفرد به أحمد.

و قوله (إن الله عليم خبير) أي: عليم بكم، خبير بأموركم، فيهدي من يشاء و يضل من يشاء و يرحم من يشاء و يعذب من يشاء و يفضل من يشاء على من يشاء و هو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله. و قد استدل بهذه الآية الكريمة و هذه الأحاديث الشريفة، من ذهب من العلماء إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط، ولا يشترط سوى الدين، لقوله: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) و ذهب آخرون إلى أدلة أخرى مذكورة في كتب الفقه، و قد ذكرنا طرفا من ذلك في (كتاب الأحكام) ولله الحمد و المنه.

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٤﴾ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿١٥﴾ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّـهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١٦﴾ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿١٧﴾ إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٨﴾).

يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، و لم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد.

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) و قد استفيد من هذه الآية الكريمة: أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة و الجماعة، و يدل عليه حديث جبريل عليه السلام، حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقى من الأعم إلى الأخص، ثم للأخص منه.

روى الإمام أحمد: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجالًا و لك يعط رجالًا منهم شيئًا، فقال سعد: يا رسول الله، أعطيت فلانا و فلانا و لم تعط فلانا شيئا، وهو مؤمن؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم: أو مسلم، حتى أعادها سعد ثلاثا، و النبي يقول: أو مسلم. ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم: إني لأعطي رجالا و أدع من هو أحب إلي منهم فلم أعطه شيئا؛ مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم. أخرجاه في الصحيحين.

فقد فرق النبي صلى الله عليه و سلم بين المسلم و المؤمن، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام. و دل ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلما ليس منافقا؛ لأنه تركه من العطاء و وكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، و إنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك. و هذا معنى قول ابن عباس و إبراهيم النخعي، و قتادة و اختاره ابن جرير. و إنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان و ليسوا كذلك.

وقد روي عن سعيد بن جبير، و مجاهد، و ابن زيد أنهم قالوا في قوله (ولكن قالوا أسلمنا) أي: استسلمنا خوف القتل و السباء. قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة.

و قال قتادة: نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم.و الصحيح الأول، أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يحصل لهم بعد، فأدبوا و أعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، و لو كانوا منافقين لعنفوا و فضحوا، كما ذكر المنافقون في سورة براءة. و إنما قيل لهؤلاء تأديبا (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي: لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد.

ثم قال: (وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا) أي: لا ينقصكم من أجوركم شيئا.

و قوله : ( إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي: لمن تاب إليه و أناب.

و قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) أي: إنما المؤمنون الكمل (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) أي: لم يشكوا و لا تزلزلوا، بل ثبتوا على حال واحدة، و هي التصديق المحض، (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ) أي: و بذلوا مهجهم و نفائس أموالهم في طاعة الله و رضوانه، ( أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي: في قولهم إذا قالوا: (إنهم مؤمنون، لا كبعض الأعراب الذين ليس معهم من الدين إلا الكلمة الظاهرة).

روى الإمام أحمد: عن أبي سعيد قال: إن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله. و الذين يأمنه الناس على أموالهم و أنفسهم. ثم الذي إذا أشرف على طمع تركه لله عز و جل).

و قوله ( قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّـهَ بِدِينِكُمْ ) أي: أتخبرونه بما في ضمائركم. (وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) أي: لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء، و لا أصغر من ذلك و لا أكبر، ( وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

ثم قال: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) يعني: الأعراب الذين يمنون بإسلامهم و متابعتهم و نصرتهم على الرسول، يقول الله ردا عليهم (قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم) فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم، و لله المنة عليكم فيه، (بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) أي: في دعواكم ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم للأنصار يوم حنين: ( يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ و كنتم متفرقين فألفاكم الله بي؟ و عالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئا قالوا: الله و رسوله أمن.

ثم كرر الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، و بصره بأعمال المخلوقات فقال: (إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) آخر تفسير الحجرات، و لله الحمد و المنة.

  • من تفسير القرآن العظيم للعلامة ابن كثير رحمه الله تعالى.

وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية - إدارة شئون القرآن الكريم - إشراقات من سورة الحجرات - جمع و ترتيب: محمد محمود يوسف، أمام و خطيب بوزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية - الكويت.