السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إشراقات من سورة الحجرات (1)

إشراقات من سورة الحجرات (2)

https://io.hsoub.com/go/43413

إشراقات من سورة الحجرات (3)

https://io.hsoub.com/go/43466

إشراقات من سورة الحجرات (4)

https://io.hsoub.com/go/43674

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿١٢﴾)

يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، و هو التهمة و التخون للأهل و الأقارب و الناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليتجنب كثير منه احتياطًا، و روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا، و أنت تجد لها في الخير محملا.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا و لا تحسسوا، و لا تنافسوا، و لا تحاسدوا، و لا تباغضوا، و لا تدابروا، و كونوا عباد الله إخوانا). رواه البخاري.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( لا تقاطعوا، و لا تدابروا، و لا تباغضوا، و لا تحاسدوا، و كونوا عباد الله إخوانا، و لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام). رواه مسلم.

و روى الإمام أحمد: عن دخين كاتب عقبة قال: قلت لعقبة: إن لنا جيرانا يشربون الخمر، و أنا داع لهم الشرط فيأخذونهم. قال: لا تفعل، و لكن عظهم و تهددهم. قال: ففعل فلم ينتهوا. قال: فجاءه دخين فقال: إني قد نهيتهم فلم ينتهوا، و إني داع لهم الشرط فيأخذونهم. قال: لا تفعل، و لكن عظهم و تهددهم. قال: ففعل، فلم ينتهوا. قال: فجاءه دخين فقال: و إني قد نهيتهم فلم ينتهوا، و إني داع لهم الشرط فتأخذهم. فقال له عقبة: ويحك لا تفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها). رواه أبو داوود و النسائي من حديث الليث بن سعد.

و قال سفيان الثوري: عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول: ( و إنك ان اتبعت عورات الناس أفسدتهم -أو- كدت أن تفسدهم). فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله نفعه الله بها. رواه أبو داود منفردًا به من حديث الثوري، به.

و قوله: (ولا تجسسوا) أي: على بعضكم بعضا. و التجسس غالبا يطلق في الشر، ومنه الجاسوس. و أما التحسس غالبا في الخير، كما قال تعالى إخبارا عن يعقوب عليه السلام أنه قال: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه و لا تيأسوا من روح الله) يوسف:87، و قد يستعمل كل منهما في الشر، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (لا تجسسوا، و لا تحسسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، و كونوا عباد الله إخوانا).

و قال الأوزاعي: التجسس: البحث عن الشئ. و التحسس: الإسمتاع إلى حديث القوم و هم له كارهون، أو يستمع على أبوابهم. و التدابر: الصرم. رواه أبن أبي حاتم.

و قوله: (ولا يغتب بعضكم بعضا) فيه نهي عن الغيبة، و قد فسرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: حدثنا القعنبي، حدثنا عبدالعزيز بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، و إن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه الترمذي عن قتيبة، عن الدراوردي، به. قال: حسن صحيح.

روى أبو داود: عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه و سلم: حسبك من صفية كذا و كذا! قال غير مسدد: تعني قصيرة، فقال: لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. قالت: و حكيت له إنسانا، فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا، و إن لي كذا و كذا. رواه الترمذي و قال: حسن صحيح.

و الغيبة محرمة في الإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح و التعديل، و النصيحة، كقوله صلى الله عليه و سلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر:( ائذنوا له، بئس أخو العشيرة) كقوله لفاطمة بنت قيس - و قد خطبها معاوية و أبو الجهم - (أما معاوية فصعلوك، و أما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) و كذا ما جرى مجرى ذلك. ثم بقيتها على التحريم الشديد، و قد روي فيها الزجر الأكيد؛ و لهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت، كما قال تعالى: ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه) ؟ أي: كما تكرهون هذا طبعا، فاكرهوا ذلك شرعا؛ فإن عقوبته أشد من هذا و هذا من التنفير عنها و التحذير منها، كما قال عليه السلام، في العائد في هبته: (كالكلب يقئ ثم يرجع في قيئه) و قد قال:( ليس لنا مثل السوء). و ثبت في الصحاح و الحسان و المسانيد من غير وجه أنه عليه السلام، قال: في خطبة الوداع: (أن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام حكرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا).

و روى أبو داود: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (كل المسلم على المسلم حرام: ماله و عرضه و دمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته و من يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود.

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لما عرج بي مررت بقول لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم و صدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس و يقعون في أعراضهم). رواه أبو أحمد و أبو داود.

و قوله: (واتقوا الله) أي: فيما أمركم به و نهاكم عنه، فراقبوه في ذلك و اخشوا منه، (إن الله تواب رحيم) أي: تواب على من تاب إليه، رحيم بمن رجع إليه، و اعتمد عليه. قال الجمهور من العلماء: طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك، و يعزم على ألا يعود. و هل يشترط الندم على ما فات؟ فيه نزاع، و أن يتحلل من الذي اغتابه. و قال آخرون: لا يشترط أن يتحلله فأنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه، فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، و أن يرد عنه الغيبه بحسبه و طاقته، فتكون نلك بتلك.

و روى أبو داود أيضًا: عن جابر بن عبدالله، و أبا طلحة بن سهل الأنصاري يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته و ينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في مواطن يحب فيها نصرته. و ما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في مواطن يحب فيها نصرته). رواه أبو دواد.


وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية - إدارة شئون القرآن الكريم - إشراقات من سورة الحجرات - جمع و ترتيب: محمد محمود يوسف، أمام و خطيب بوزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية - الكويت.