بسم الله الرحمن الرحيم

من أسرار القرآن:

(451)- (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) -النور‏:19-

(‏الفاحشة‏)‏ لغة هي ما يشتد قبحه من الذنوب‏,‏ والفحشاء هي جريمة الزنا التي حرمها الله‏-‏ تعالى-‏ تحريما قاطعا‏.‏

وكانت الدعوة إلى الإلتزام بمكارم الأخلاق ركيزة من ركائز الدين في كل رسالة من رسالات السماء, حتى تجتمع خصال الخير في عباد الله, فيعينهم ذلك على مقاومة إغواءات الشيطان وجنوده وأعوانه.

وفي ذلك يمتدح القرآن الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين بقول ربنا – تبارك وتعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4). ويدعو رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى الإلتزام بمكارم الأخلاق في أقوال كثيرة منها ما يلي:

-“إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (البيهقي).

-“حسن الخلق خلق الله الأعظم” (البيهقي).

…”- أكثر ما يلج به الإنسان الجنة: تقوي الله عز وجل وحسن الخلق”.

وحسن الخلق يكون مع الله – تعالى-, ومع خاتم أنبيائه ورسله -صلى الله عليه وسلم- ومع خلق الله أجمعين.

وهو مع الله – تعالى- الإيمان به بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد, وتنزيهه عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, ومراقبته في السر والعلن. ويضاف إلي ذلك حسن عبادة الله – تعالى- بما أمر, وحسن القيام بواجب الإستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله في ربوعها, والإلتزام بكل حلال. والتعفف عن كل حرام.

وحسن الخلق مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يتلخص في الإيمان بنبوته ورسالته والالتزام بطاعته, واحترامه, وحبه, والتأسي به في كل أمر قدر الاستطاعة.

وحسن الخلق مع عباد الله وكافة خلقه يشمل إحترامهم على إختلاف مراتبهم, ومعاملة كل منهم بما يليق بمقامه وبما يأمر به الله ورسوله. ومن ذلك التحلي بالمروءة في كل حال, وبالعدل في الرضا والغضب, وبالصدق في القول والعمل, وبالوفاء بالعهود والمواثيق, وحفظ ما يؤتمن عليه من أسرار. وفي ذلك يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “من عامل الناس فلم يظلمهم, وحدثهم فلم يكذبهم, ووعدهم فلم يخلفهم, فهو ممن كملت مروءته, وظهرت عدالته, ووجبت أخوته”. ومن المروءة طلاقة الوجه, وحفظ اللسان, والحياء, والترفع عن النفاق والرياء والدنايا, والإلتزام بالجد والحكمة في غير تجهم ولا عبوس. والمسارعة إلي نصرة المظلوم, وإغاثة الملهوف, ومساعدة المحتاج, والحرص علي طهارة كل من الظاهر والباطن حتى يتحقق للمرء كل من علو الهمة وشرف النفس, ومرضاة الرب.

ولا بد للإنسان من إدراك أن الشيطان وأعوانه له بالمرصاد, يحاولون إخراجه من دائرة الإيمان إلى الكفر, ومن دائرة التوحيد إلى الشرك, ومن دائرة الإستقامة على منهج الله إلى إغراءات الخروج عليه. ووسيلة شياطين الإنس والجن في إفساد المجتمعات الإنسانية هي تحريك الشهوات لأن النفس بالشهوات آمرة, وعن الرشد زاجرة, وإذا لم يتحكم فيها صاحبها أردته موارد التهلكة, وأفسدت حياته وحياة من حوله إفسادا كبيرا.

والفساد في المجتمعات الإنسانية يبدأ عادة بفساد الإعتقاد, وإذا فسدت العقيدة فسدت العبادة, ويتبع ذلك فساد كل من الأخلاق والمعاملات. وفي ظل هذا الفساد ينتشر الخداع والكذب, وخراب الذمم, ونقض كل من العقود والعهود والمواثيق, وأكل أموال الناس بالباطل, وتطفيف الكيل والميزان, والغش في العمل والصنعة, وانتشار النهب والسلب والسرقات, وشيوع الإستبداد والظلم, وتفشي الفواحش والفتن, والإعتداء على الأعراض, وما ينتج عنه من إختلاط الأنساب, وتفكيك الأسر, وقطع الأرحام, وانتشار الأمراض والأسقام, والبلايا والمصائب, ونزع البركة, وتقويض المجتمعات, وانتزاع الإيمان من القلوب, والعزوف عن الزواج, وقلة النسل, وانتشار البطالة, ونزول غضب الله وعقابه.

ولذلك كله فإن الآية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال تحذر كل من تسول له نفسه إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا بالقول أو بالفعل وتتهدده بعذاب أليم في الدنيا والآخرة, إلا أن يتوب عن جريمته, وأن يقبل الله توبته. وختمت الآية الكريمة بقول الحق- تبارك وتعالى-: (…وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). وهذا الحكم الإلهي يعتبر وجها من أوجه الإعجاز التشريعي في كتاب الله, لما فيه من حفظ للمجتمعات المؤمنة من شيوع الفواحش فيها, والله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل.

موقع فضيلة الدكتور زغلول النجار