1- الثابت أنّ الذي أمر وحشياً رضي الله عنه أن يقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أحد هو جبير بن مطعم رضي الله عنه.

فقد روى البخاري في صحيحه عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عدي هل لك في وحشي نسأله عن قتله حمزة ؟ قلت نعم وكان وحشي يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت قال فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا فسلمنا فرد السلام قال عبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه . فقال عبيد الله يا وحشي أتعرفني ؟ قال فنظر إليه ثم قال لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص فولدت له غلاما بمكة فكنت أسترضع له فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فلك - أني نظرت إلى قدميك قال فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال ألا تخبرنا بقتل حمزة ؟ قال نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر قال فلما أن خرج الناس عام عينين وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع با ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه و سلم ؟ قال ثم أشد عليه فكان كأمس الذاهب قال وكمنت لحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال فكان ذاك العهد به فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رسولا فقيل لي إنه لا يهيج الرسل قال فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآني قال ( آنت وحشي ) . قلت نعم قال ( أنت قتلت حمزة ) . قلت قد كان من الأمر ما بلغك قال ( فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني ) . قال فخرجت فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة قال فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان قال فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس قال فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته

قال قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله ابن عمر يقول فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود.

2- لم يثبت أنّ هنداً رضي الله عنها حرضت وحشي على قتل حمزة رضي الله عنها، فلم أقف على رواية في ذلك، بل الثابت عكسها كما رأيت.

لكن قال ابن إسحاق : فحدثني صالح بن كيسان أنه حدّث أن عمر بن الخطاب قال لحسان بن ثابت يا ابن الفريعة - قال ابن هشام : الفريعة بنت خالد بن خنيس ويقال : خنيس ابن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - لو سمعت ما تقول هند ، ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا ، وتذكر ما صنعت بحمزة ؟ قال له حسان والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على رأس فارع - يعني أطمه - فقلت : والله إن هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب ، وكأنها إنما تهوي إلى حمزة ولا أدري ، لكن أسمعني بعض قولها أكفكموها ، قال فأنشده عمر بن الخطاب بعض ما قالت فقال حسان بن ثابت : أشرت لكاع وكان عادتها لؤما إذا أشرت مع الكفر

قال ابن هشام : وهذا البيت في أبيات له تركناها ، وأبياتا أيضا له على الدال . وأبياتا أخر على الذال لأنه أقذع فيها .

وقد يُفهم من هذه الرواية أنها الآمرة بقتل حمزة كما قد يٌفهم منها أنها قد مثّلت به وإن لم تكن الآمرة بقتله ابتداءاً، والسند فيه: صالح بن كيسان وهو ثقة ثبت، لكنه لم يلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولا يُعرف من حدّثه بذلك عن عمر، فالرواية بهذا ضعيفة.

3- لم يثبت أيضاً أنّ هنداً رضي الله عنها لاكت كبد حمزة رضي الله عنه بعد مقتله، وكل ما ذُكر في ذلك غير ثابت سنداً.

ومنه:

الرواية الأولى: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود: ((أن النساء كنّ يوم أحد خلف المسلمين، يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفتُ يومئذ رجوتُ أن أبرَّ : إنه ليس أحدٌ منا يريد الدنيا، حتى أنزل الله عز و جل : ( منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد اللآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)، فلما خالف اب النبي صلى الله عليه و سلم و عصوا ما أمروا به، أُفرِدَ رسول الله صلى الله عليه و سلم في تسعةٍ، سبعة من الأنصار و رجلين من قريش، وهو عاشرهم، فلما رهِقوه قال : رحم الله رجلا ردهم عنا، قال: فقام رجل من الأنصار، فقاتل ساعة حتى قُتل، فلما رهقوه أيضاً قال: يرحم الله رجلا ردهم عنا، فلم يزل يقول ذا حتى قتل السبعة، فقال النبي صلى الله عليه و سلم لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا، فجاء أبو سفيان فقال : أعلُ هُبَل!! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قولوا: الله أعلى و أجل، فقالوا : الله أعلى و أجل، فقال أبو سفيان : لنا عُزّىَ ولا عُزَّى لكم!! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: قولوا: الله مولانا، والكافرون لا مولى لهم، ثم قال أبو سفيان ، يومٌ بيوم بدر، يومٌ لنا و يومٌ علينا، ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسر، حنظلة بحنظلة، وفلانٌ بفلان، وفلان بفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا سواء، أما قتلانا فأحياء يرزقون، وقتلاكم في النار يعذبون، قال أبو سفيان : قد كانت في القوم مُثُلةٌ، وإن كانت لمن غير ملاءٍ منا، ما أمرتُ ولا نهيتأخذُ، ولا أحببتُ ولا كرهتُ، ولا ساءني ولا سرني، قال: فنظروا، فإذا حمزة قد بُقِرَ بطنه، وأخذت هندُ كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أأكلت منه شيئاً؟ قالوا: لا، قال : ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار، فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم حمزة فصلى عليه، فرُفِع الأنصاري و تُرك حمزة، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة، فصلى عليه، ثم رُفِع و تُرك حمزة، حتى صلى عليه يومئذٍ سبعين صلاة.

إسناده ضعيف ، لأسباب:

أولاً: عطاء اختلط، وحماد ممَّن سمع منه قبل وبعد الاختلاط.

ثانياً: الشعبي وهو عامر بن شراحيل لم يسمع من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما جاء في كتاب المراسيل ص 160 (رقم 591) لابن أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى قال: سمعت أبي يقول : لم يسمع الشعبي من عبد الله بن مسعود والشعبي عن عائشة مرسل، إنما يحدث عن مسروق عن عائشة)اهـ. فالحديث منقطع.

الرواية الثانية: ما رواه موسى بن عقبة من أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها . ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (4/43) دون إسناد ، فهو ضعيف .

الرواية الثالثة: ما رواه ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة ، و زاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال و أنفهم خدماً ( أي خلاخل ) و قلائد ، و أعطت خدمها و قلائدها و قرطتها وحشياً . ابن هشام (3/133) بإسناد منقطع موقوف على شيخه ابن كيسان ، فهي ضعيفة .

الرواية الرابعة: ما رواه الواقدي في (المغازي) عن صَالِحُ بْنُ خَوّاتٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، قَالَ قَالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ -وهو صحابي شهد أحداً، فهو إذاً شاهد عيان إن صحت الرواية- وفي الرواية: (قَالُوا : وَكَانَ وَحْشِيّ عَبْدًا لِابْنَةِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ - وَيُقَالُ كَانَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - فَقَالَتْ ابْنَةُ الْحَارِثِ إنّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت أَحَدَ الثّلَاثَةِ فَأَنْتَ حُرّ ، إنْ قَتَلْت مُحَمّدًا ، أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَوْ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ . فَإِنّي لَا أَرَى فِي الْقَوْمِ كُفُؤًا لِأَبِي غَيْرَهُمْ .) إلى أن قال: (وَذَكَرْت هِنْدًا وَمَا لَقِيَتْ عَلَى أَبِيهَا وَعَمّهَا وَأَخِيهَا ، وَانْكَشَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ حِينَ أَيْقَنُوا مَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنِي ، فَأَكُرّ عَلَيْهِ فَشَقَقْت بَطْنَهُ فَأَخْرَجْت كَبِدَهُ فَجِئْت بِهَا إلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ ، فَقُلْت : مَاذَا لِي إنْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِيك ؟ قَالَتْ سَلَبِي فَقُلْت : هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ . فَمَضَغَتْهَا ثُمّ لَفَظَتْهَا ، فَلَا أَدْرِي لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا . فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وَحُلِيّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ ثُمّ قَالَتْ إذَا جِئْت مَكّةَ فَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ . ثُمّ قَالَتْ أَرِنِي مَصْرَعَهُ فَأَرَيْتهَا مَصْرَعَهُ فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ وَجَدَعَتْ أَنْفَهُ وَقَطَعَتْ أُذُنَيْهِ ثُمّ جَعَلَتْ مَسَكَتَيْنِ وَمِعْضَدَيْنِ وَخَدَمَتَيْنِ حَتّى قَدِمَتْ بِذَلِكَ مَكّةَ ، وَقَدِمَتْ بِكَبِدِهِ مَعَهَا).

والسند ضعيف، فالواقدي متروك، والرواية إن صحت فإنها تثبت أنّ هنداً لم تكن الآمرة بقتل حمزة، وإنما مثلّت به انتقاماً لأبيها وأخيها وعمها.

وزيادة على هذا أقول:

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يطق رؤية وحشي لقتله حمزة، وطلب منه أن لا يراه كما في رواية البخاري السابقة، ولو كانت هند بنت عتبة قد لاكت كبد حمزة ومثلّت به هذا التمثيل الشنيع، فكيف رضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبايعها دون أن يعبر عن ضيقه منها بشكل متساوٍ إن لم يكن أعظم!